حالة الإفلات من العقاب في مصر في ظل انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان
عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا مساء اليوم الأربعاء 10 يوليو/تموز 2019 ندوة في البرلمان البريطاني بعنوان “مصر بعد الربيع العربي ومستقبل الديمقراطية وحقوق الانسان” برعاية عضو البرلمان البريطاني “تومي شيبارد” ومجموعة من كبار الخبراء والمحامين في مجال حقوق الإنسان لبحث الأوضاع في مصر في الست سنوات الأخيرة والتي أعقبت أحداث الثالث من يوليو/تموز 2013 والذي أطاح بأول حكومة منتخبة ديمقراطياً في البلاد.
وتتكون مجموعة الخبراء من البروفيسور “جون تشالكروفت”، المختص في التاريخ والعلوم السياسية في الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد، والدكتورة “مها عزام”، رئيس المجلس الثوري المصري، و”دانية ماسون” عضو نقابة المحامين الدوليين (IBA) والمحكمة الجنائية الدولية (ICC)، والمحاميتين كيري “آن روان” و”هايدي ديجكستال”.
تم تسليط الضوء في الندوة على المحاور التالية:
- تدهور أوضاع حقوق الإنسان في مصر على مدار السنوات الست الماضية، والتي لا زالت تزداد سوءًا مع فرض قيود شديدة على جميع أنواع الحريات وأشكال المعارضة.
- استمرار تقديم الدعم الكامل للنظام العسكري في مصر من قبل الحكومات الغربية، دون اتخاذ أي خطوات جدية لوقف انتهاكات حقوق الإنسان ووضع حداً لها، مما أدى إلى تفاقم الأزمة.
- دعوات للمجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات ضرورية لوقف عمليات القتل والإعدام والتعذيب والاحتجاز والمحاكمات الجائرة وقمع جميع حقوق الإنسان والتحقيق مع المسؤولين عن ذلك ومقاضاتهم، بما في ذلك وفاة الدكتور محمد مرسي أول رئيس منتخب بشكل ديمقراطي في مصر.
وتطرقت مجموعة الخبراء والمحامين إلى العديد من التقارير الموثوقة حول انتهاكات حقوق الإنسان الجماعية والجرائم الدولية في مصر و التي ارتكبت منذ أحداث الثالث من يوليو/تموز 2013 التي أوصلت الجنرال عبد الفتاح السيسي إلى السلطة؛ بما في ذلك الاعتقالات التعسفية واسعة النطاق، وأحكام الإعدام الجماعية، والانتهاكات الجسيمة لحقوق المحاكمة العادلة، والقتل خارج نطاق القضاء، وتفشي وباء التعذيب داخل مقار الاحتجاز، والقيود المشددة المفروضة على حرية الصحافة وحرية التعبير، حيث تشير آخر التقارير إلى ان ما لا يقل عن 3185 شخصاً قُتلوا في مصر على أيدي السلطات والقوات الحكومية (هذا العدد لا يشمل القتلى في شبه جزيرة سيناء)، منهم حوالي 2200 شخصاً قُتلوا في الاحتجاجات والتجمعات السلمية، بينما قتل 766 شخصاً أثناء الاحتجاز (منهم 516 محتجزاً ماتوا بسبب الإهمال الطبي)، بالإضافة إلى تنفيذ حكم الإعدام بحق 45 شخصاً بعد محاكمات هزلية وصورية، في حين لا يزال 83 معتقلاً في انتظار تنفيذ حكم الإعدام في أي وقت، أما في محافظة سيناء وحدها، تشير التقارير إلى مقتل أكثر من 4400 شخصاً .
كما تشير الإحصاءات إلى تعرض أكثر من 60000 شخصاً إلى الاعتقال التعسفي لأسباب سياسية، أغلبهم موقوفون بدون أي تهمة مؤكدة، بالإضافة إلى الحملة الدائمة لإسكات جميع الأصوات المعارضة، ما يؤزم الوضع يوماً بعد يوم.
الندوة تطرقت إلى واقعة وفاة الدكتور محمد مرسي، أول رئيس منتخب بشكل ديمقراطي في مصر بعد اعتقال دام لست سنوات في ظروف بالغة السوء ساهمت بشكل كبير في تدهور حالته الصحية ومن ثم وفاته أثناء الاحتجاز.
وأكد المتحدثين في الندوة على ضرورة فتح تحقيق في ظروف وفاة الدكتور مرسي ومعرفة ملابساتها، ومحاسبة كل الذين تسببوا في هذا المصير المروع، وهذا يتطلب ما أمكن استخدام وسائل دولية وإقليمية ومحلية تستطيع تحقيق الحد الأدنى من العدالة والانتصار للضحايا، و يتوجب مواجهة الموقف السلبي الذي تتخذه العديد من الحكومات الغربية بشكل رئيسي والصمت الدولي المشين والذي تسبب في ارتكاب مزيد من الانتهاكات الممنهجة ضد حقوق الإنسان.
بناء على ذلك، دعت لجنة الخبراء والمحامين إلى اتخاذ إجراءات عاجلة وفورية تتضمن الآتي:
- ضرورة إجراء تحقيق مستقل وحيادي من قبل الأمم المتحدة لبحث أسباب وفاة الرئيس مرسي، والانتهاكات التي تعرض لها، وتحديد السبب المباشر الذي أدى إلى وفاته.
- على المجتمع الدولي، بما في ذلك حكومة المملكة المتحدة، إدانة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ترتكبتها حكومة الجنرال السيسي، والمطالبة بالإفراج عن جميع المعتقلين بصورة تعسفية، وإجراء تحقيقات فعالة في الجرائم المرتكبة بحق الشعب المصري ومحاكمة مرتكبي تلك الجرائم، وفرض عقوبات دبلوماسية واقتصادية على الحكومة المصرية لإنهاء الانتهاكات الجماعية المستمرة.
- إجبار السلطات المصرية على وقف عقوبات الإعدام بشكل فوري حتى لا يتم تنفيذ عمليات إعدام أخرى.
- رفع جميع القيود المفروضة على الصحافة والإعلام بشكل فوري (بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي)، وحماية الصحفيين واحترام حرية الرأي و التعبير وحرية التجمع بشكل كامل.
المحامية هايدي ديجكستال والمختصة في القانون الجنائي الدولي وحقوق الإنسان أشارت في كلمتها إلى ضرورة لفت الانتباه إلى هذه الانتهاكات والجرائم، وأهمية المطالبة بمحاكمة جميع المتورطين، حيث قالت ديجكستال: ارتكبت السلطات المصرية بقيادة الجنرال السيسي انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان لفترة طويلة جدًا دون أي رادع، وقد أخفق المجتمع الدولي في المطالبة للحصول على رد لتبرير ما يحدث، كما أخفق في الحصول على ضمان اتخاذ خطوات لتوفير العدالة للضحايا ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم، بحيث يضمن القانون الدولي لجميع الضحايا وعائلاتهم الحق في معرفة الحقيقة والحق في الانتصاف”.
ودعت ديجكستال إلى ضرورة إجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة ومتابعة الملاحقات القضائية دون مزيد من التأخير، كما دعت المجتمع الدولي إلى إعادة تقييم علاقاته بالسلطات المصرية حتى يتم وقف هذه الانتهاكات ومعالجتها.
وفي كلمتها قالت الدكتورة “مها عزام”، الخبيرة السياسية البارزة في مصر والزميلة السابقة لبرنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس: “إن أحداث الثالث من يوليو/تموز 2013 التي أطاحت بالديمقراطية الوليدة في مصر وفي المقابل أسس عهد دكتاتوري من الإرهاب ضد المعارضين السياسيين، حيث أدى استخدام النظام الحاكم للتعذيب المنهجي والتنكيل بالمعارضين إلى وفاة الدكتور محمد مرسي الرئيس الوحيد والمنتخب بشكل ديمقراطي، وما زالت الانتهاكات مستمرة، حيث يواجه ستون ألف سجيناً سياسياً مصيرًا مماثلًا لمصير الرئيس الراحل.
لقد ظل العالم صامتا لفترة طويلة وهذا الصمت قد مكن النظام العسكري المصري ومنحه ترخيصًا لقتل شعبه”.
“دانية ماسون”: عضو نقابة المحامين الدوليين والمحكمة الجنائية الدولية تطرقت في مداخلتها إلى السبل المتاحة أمام الضحايا للحصول على العدالة من خلال آليات نصت عليها قواعد القانون الدولي والإجراءات الخاصة في الأمم المتحدة وعلى رأسها الولاية القضائية الشاملة.
وأضافت ماسون: “لقد تم استخدام مصطلح “مكافحة الإرهاب” من أجل إسكات خصوم الحكومة من خلال الالتفاف على القانون والإعلام، وعلى المجتمع الدولي أن يوضح أنه لا يوجد أحد مقتنع بذلك”.
بينما قال البروفيسور جون تشالكروفت من كلية لندن للاقتصاد: “بينما تنحدر مصر أكثر فأكثر إلى الديكتاتورية والأزمة الاجتماعية والاقتصادية، تواصل الحكومات الغربية بتقديم الدعم الكامل لنظام السيسي العسكري، حيث تسود الرسوم الكاريكاتورية المعتادة حول الاستقرار والإرهاب في مؤسسات الأمن والسياسة الغربية، فيتم تحييد الديمقراطية وحقوق الإنسان إلى جانب واحد وإهمال العدالة الاجتماعية، هذا التاريخ مألوف ويمكن التنبؤ بعواقبه الوخيمة”.
أما المحامية “كيري آن روان”، المختصة في القانون الجنائي والدولي، فقد ناقشت قضية مساءلة الجناة قبل ممارسة الولاية القضائية العالمية معتبرة الحالة المصرية نموذجاً، وركزت “روان” على جريمة التعذيب باعتبارها جريمة دولية خطيرة تخول الضحايا من ملاحقة مرتكبيها في المملكة المتحدة وفي أي دولة في العالم تعتمد نظام الولاية القضائية الشاملة.