عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا ندوة مساء الخميس 17 أكتوبر/تشرين الأول 2024 بعنوان “خطة الجنرالات: خطة ممنهجة للقضاء على كل مظاهر الحياة في غزة“ سلطت الضوء على الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، وركزت على التكتيكات العسكرية الإسرائيلية الرامية إلى تدمير حياة الفلسطينيين والبنية التحتية. قدمت الندوة تحليلاً معمقًا لجرائم الحرب والتطهير العرقي والاستهداف المتعمد للمدنيين، واستكشف الأبعاد القانونية والسياسية للعنف المنهجي الذي يتكشف في شمال غزة.
وقد ضمت الندوة متحدثين بارزين، وهم هارون رضا – محام هولندي وعضو في حركة 30 مارس، وريتشارد بويد باريت – عضو البرلمان الأيرلندي، ود. كولين كوبر – عضو في جمعية أصدقاء فلسطين الأسكتلندية، وإميليو دابيد – أستاذ القانون والمحام المتخصص في المسائل الدستورية، وجوناثان بورسيل – مسؤول الشؤون العامة والاتصالات في المركز الدولي للعدالة لفلسطين، وبوكر نجيسا أومولي – الناشط السياسي الكيني.
افتتح هارون رضا مداخلته بتسليط الضوء على جرائم الاحتلال الإسرائيلي من خلال خبرته القانونية الواسعة كمحامي أمام المحكمة الجنائية الدولية في هولندا، والمتخصص في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، خاصة فيما يتعلق بغزة. ممثلًا لحركة 30 مارس ومؤسسة هند رجب، أوضح جهودهما الأخيرة في جمع الأدلة ضد تورط جنود الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك أولئك الذين يحملون جنسيات مزدوجة مثل البريطانية والأيرلندية والفرنسية، في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة، ورفع قضايا جنائية ضدهم.
وأشار رضا إلى أن العديد من هؤلاء الجنود كشفوا عن أنفسهم علنًا على منصات التواصل الاجتماعي مثل X (تويتر سابقًا) وإنستغرام، وتيك توك، حيث نشروا مقاطع فيديو وصورًا تُظهر بوضوح تورطهم في أعمال مثل حرق المنازل، وتفجير المساجد والمباني دون ضرورة عسكرية، وارتكاب أعمال السرقة والتخريب.
وفي جهد كبير لمحاسبة هؤلاء الجنود، جمع فريق رضا قاعدة بيانات مفصلة لأكثر من 1000 جندي من الجيش الإسرائيلي، ووثق جرائمهم بالصور ومقاطع الفيديو. تشمل هذه الجرائم الهجمات على المساجد والمستشفيات والتجويع القسري للسكان. وقد تم تقديم هذه الأدلة إلى المحكمة الجنائية الدولية وتمت مشاركتها مع سفارات متعددة، بما في ذلك أيرلندا وإسبانيا، بهدف وضع هؤلاء الأفراد على قوائم الاعتقال الوطنية والدولية. وأكد رضا أن هذه الشكوى، على الرغم من أهميتها، ليست سوى البداية، حيث لديهم أدلة على آلاف الجنود الآخرين.
وعندما سُئل عن التفاعل الرسمي مع هذه الخطوة، أوضح رضا أنه في حين لم تعد المحكمة الجنائية الدولية ترسل إيصالات رسمية للشكاوى، فقد أعربت دولة واحدة على الأقل -لم يذكر اسمها- عن حماسها للقضية وطلبت مزيدًا من المعلومات. وأكد أن جهودهم مستمرة وأنهم يتوقعون في الأشهر المقبلة تقديم المزيد من الأدلة الجوهرية كجزء من جهودهم المستمرة لمقاضاة المسؤولين عن الإبادة الجماعية في غزة.
النائب في البرلمان الأيرلندي ريتشارد بويد باريت بدأ كلمته بالإشادة بعمل منظمة هارون رضا وجهودها، والتعبير عن التزامه بمتابعة الحكومة الأيرلندية فيما يتعلق بتورطها في هذه الإجراءات القانونية. ثم ناقش الحوادث المروعة الأخيرة التي يرتكبها جيش الاحتلال، بما في ذلك الهجمات على مدرسة النصرات ومستشفى الأقصى، فضلاً عن محرقة الخيام، والتي قال إنها جزء من حملة الإبادة الجماعية الأوسع التي تشنها إسرائيل ضد غزة. وأدان باريت هذه الإجراءات باعتبارها هجمات متعمدة ومنهجية على المدنيين، تستهدف البنية الأساسية الضرورية للبقاء، مثل المدارس والمستشفيات، ووصفها بأنها “مثال واضح” على الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.
كما انتقد باريت توسع إسرائيل في العنف في لبنان، والذي اعتبره تشتيتًا للانتباه عن الإبادة الجماعية المستمرة في غزة. وأعرب عن إحباطه إزاء تقاعس الحكومات الدولية، وخاصة تلك الموجودة في الغرب، التي تواصل دعم إسرائيل دبلوماسيًا وعسكريًا. وسلط الضوء على نفاق المؤسسات الدولية، مثل المحكمة الجنائية الدولية، التي قال إنها فشلت في التصرف بشكل حاسم منذ رفع القضية الفلسطينية لأول مرة في عام 2015، على الرغم من الأدلة الساحقة على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
وبالانتقال إلى أيرلندا، أقر باريت بأنه في حين أن الرأي العام يدعم الفلسطينيين بشكل ساحق، فإن الحكومة الأيرلندية كانت بطيئة في اتخاذ إجراءات فعالة وحاسمة ضد هذه الجرائم والانتهاكات. وعلى الرغم من انضمام أيرلندا إلى جنوب إفريقيا في قضية الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية، فقد انتقد باريت تعاون الحكومة الأيرلندية المستمر مع الجيش الأمريكي، وخاصة استخدامها للمطارات الأيرلندية لنقل الأسلحة إلى إسرائيل. كما انتقد الحكومة الأيرلندية لفشلها في الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي، وخاصة اتفاقية الإبادة الجماعية، التي تتطلب اتخاذ تدابير استباقية لمنع الإبادة الجماعية.
أما الناشط السياسي الأسكتلندي د. كولن كوبر فقد أعرب في بداية كلمته عن حزنه العميق إزاء افتقار اسكتلندا إلى التحرك بشأن قضية فلسطين، وقارن ذلك بجهود أيرلندا. وأعرب عن أسفه لأن اسكتلندا، على الرغم من تاريخها الغني من ناحية الاهتمام بالعدالة الاجتماعية، فشلت في محاكاة الإجراءات السياسية والقانونية التي اتخذتها أيرلندا للدفاع عن الفلسطينيين. وأشار كوبر إلى تأثير حكومة المملكة المتحدة على الشؤون الخارجية لإسكتلندا، مسلطًا الضوء على دور البلاد في تجارة الأسلحة، وخاصة إنتاج المعدات العسكرية المتقدمة المستخدمة في حروب مثل غزة، مما يورط العمال “عمليًا” الأسكتلنديين في مقتل المدنيين.
بالاستعانة بأمثلة تاريخية، أشار كوبر إلى تضامن العمال في إيست كيلبرايد باسكتلندا، الذين رفضوا إصلاح الطائرات المقاتلة التشيلية في أعقاب انقلاب بينوشيه، كنموذج لما يمكن أن يفعله العمال المعاصرون للاحتجاج على تورطهم في جرائم حرب. وحث العمال في شركات مثل ليوناردو ورايثيون وبي إيه إي سيستمز على الاعتراف بتواطؤهم في الفظائع المستمرة في غزة، حيث يموت الأطفال بالآلاف، ودعا إلى إحياء نوع الدعم النقابي الذي قاوم تاريخيا مثل هذه الظلم.
وأشار كوبر أيضا إلى التناقض الصارخ بين ردود الفعل الدولية على ما يحدث في غزة وما شهدته أوكرانيا، وعزا التفاوت إلى وجهات نظر عنصرية راسخة. وانتقد فشل المؤسسات الأسكتلندية، وخاصة الكنائس والأنظمة التعليمية، في معالجة إرث إعلان بلفور والدور الاستعماري البريطاني في إنشاء إسرائيل. واختتم كوبر بتسليط الضوء على فشل المجتمع المدني في أسكتلندا في التعبئة لدعم غزة ودعا إلى حركة أقوى وأكثر انتشارا، مماثلة لتلك التي في أيرلندا، لمكافحة الإبادة الجماعية.
المحامي التشيلي من أصول فلسطينية إميليو دابيد بدأ مداخلته بالتعبير عن اهتمامه بعمل وجهود منظمة هارون رضا وإمكانية التعاون لتحديد هوية الجنود الكنديين الإسرائيليين المتورطين في جرائم حرب وإبادة جماعية. وبصفته أحد مؤسسي المركز القانوني لفلسطين في كندا، ناقش دابد معاركهم القانونية الجارية، بما في ذلك دعوى قضائية وشيكة ضد الحكومة الكندية لفشلها في منع الإبادة الجماعية، في انتهاك لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية. وأكد دابيد على أهمية محاسبة ليس فقط الجنود الإسرائيليين، بل وأيضًا المواطنين مزدوجي الجنسية ممن يحملون جنسية إسرائيلية، على جرائمهم.
وقدم دابد نقدًا للقانون الدولي، مشيرًا إلى التناقض بين وعوده وقدرته العملية على تحقيق العدالة على أرض الواقع. وباستخدام ميثاق الأمم المتحدة كمثال، أوضح كيف تعمل ديناميكيات القوة المضمنة في الأنظمة القانونية الدولية – مثل حق النقض في مجلس الأمن – على تقويض مبدأ المساواة بين الدول. وأكد دابد أن هذا التفاوت المتأصل عبر العقود سمح للنظام القانوني الدولي بخيانة وعوده، كما رأينا في حالة فلسطين، حيث فشلت المحاكم الدولية في اتخاذ إجراءات فعالة لوقف الإبادة الجماعية.
وأبرز دابد عبثية رفض محكمة العدل الدولية إصدار أمر بوقف إطلاق النار في غزة، على الرغم من الاعتراف بحدوث إبادة جماعية. وانتقد قرار المحكمة، مشيرًا إلى أنها أمرت سابقاً بوقف إطلاق النار في حالة أوكرانيا، مما يدل على ازدواجية المعايير القائمة على الديناميكيات العنصرية. وفي حالة غزة، سمح فشل محكمة العدل الدولية في اتخاذ اجراءات فعالة لإسرائيل بمواصلة الإبادة الجماعية تحت ستار الشرعية، مما كشف بشكل أكبر عن اختلالات التوازن في القوة التي تشكل إدارة القانون الدولي.
في بداية كلمته أحيى جوناثان بورسيل الذكرى السنوية الأولى لقصف المستشفى الأهلي المعمداني، حيث قُتل المئات من الفلسطينيين نتيجة قصف إسرائيلي مباشر، ولفت الانتباه إلى تردد وسائل الإعلام الدولية في البداية في نسب القصف إلى إسرائيل، مشيرًا إلى عبثية مثل هذه المناقشات في ضوء استهداف إسرائيل المستمر للمستشفيات والمسعفين والمدنيين على مدار العام الماضي. وأوضح بورسيل أن الحصار المستمر لغزة، والمعروف الآن باسم “خطة الجنرالات”، هو جزء من استراتيجية أوسع نطاقًا لتهجير الفلسطينيين بالقوة وتقييد الوصول إلى الغذاء والمساعدات الطبية وغيرها من الموارد الأساسية.
ووصف بورسيل الخطة بأنها تحمل طابعًا من العصور الوسطى، حيث تستخدم التجويع كسلاح حرب لتحقيق التطهير العرقي والإبادة الجماعية. واستشهد بتصريحات مسؤولين إسرائيليين، بما في ذلك وزير الدفاع يوآف غيلانت، الذين دافعوا علنًا عن هذه التكتيكات، مما يؤكد بشكل أكبر على نية الإبادة الجماعية. كما انتقد القادة الغربيين، مثل رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، لدعمهم حق إسرائيل في تقييد السلع الأساسية، على الرغم من التأثير الكارثي الذي أحدثه ذلك على السكان المدنيين في غزة.
أكد بورسيل على الطبيعة المترابطة لهذه السياسات، موضحًا كيف يؤدي الجوع إلى زيادة الأمراض والنزوح وظروف المعيشة غير الصحية. وأشار إلى أن انعدام الأمن الغذائي الشديد بالفعل في غزة، حيث يواجه أكثر من 90٪ من السكان الجوع الحاد، محذرًا من أن الأمور ستزداد سوءًا في ظل تنفيذ خطة الجنرالات. واختتم كلمته بالإشارة إلى أن الاستهداف المتعمد للإمدادات الطبية والعاملين في المجال الإنساني يوضح بشكل أكبر الإبادة المنهجية المتعمدة للشعب الفلسطيني، والتي أكد أنها شكل من أشكال العقاب الجماعي والإبادة الجماعية.
الناشط السياسي الكيني بوكر نجيسا أومولي وضع النضال في غزة في سياق أوسع من مناهضة الإمبريالية، ورسم أوجه تشابه بين المقاومة الفلسطينية ونضال كينيا من أجل الاستقلال. وأكد أن الإبادة الجماعية المستمرة في فلسطين مدعومة بالإمبريالية الأمريكية، التي تزود إسرائيل بالدعم المادي والسياسي الذي تحتاجه لمواصلة مشروعها الاستعماري الاستيطاني، مشيرًا أنه بدون هذا الدعم، ستنهار إسرائيل تحت وطأة فظائعها.
وانتقد أومولي فشل المجتمع الدولي في محاسبة إسرائيل، مستشهدًا بنفوذ الولايات المتحدة في مؤسسات مثل الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، مضيفًا أن اللجوء إلى القانون الدولي أصبح غير فعال بسبب الهيمنة الأمريكية، التي تستخدم حق النقض لحماية إسرائيل من المساءلة. وشدد أومولي على أن المقاومة، وليس التفاوض، هي المسار الوحيد القابل للتطبيق للشعب الفلسطيني، حيث أدت جهود السلطة الفلسطينية للتفاوض على حل الدولتين إلى المزيد من الوفيات وسلب الأراضي.
واختتم أومولي كلمته بالتحذير من العواقب العالمية المترتبة على التقاعس، مشيرًا إلى أن الحرب الدائرة في غزة قد تتصاعد إلى صراع أوسع يشمل إيران وروسيا والصين والولايات المتحدة. وأشار إلى أن ألعاب الحرب التي يشنها الكيان الصهيوني قد تؤدي إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة، وأنه لا أحد سيكون في مأمن إذا حدث هذا. ودعا إلى إنهاء الإبادة الجماعية التي تدعمها الولايات المتحدة في غزة وحث المجتمع الدولي على التضامن مع الشعب الفلسطيني.