تواجه غزة واحدة من أكثر المراحل قسوة في تاريخها الإنساني المعاصر، إذ تقترب أشهر الشتاء فيما يعيش مئات الآلاف من سكان القطاع بلا مأوى حقيقي، بعد حرب إبادة مدمرة شنها الاحتلال الإسرائيلي على مدار عامين، أتت على البيوت والبنية التحتية وحولت مدن غزة إلى أطلال.
ويدخل عشرات الآلاف من النازحين فصل الشتاء وسط خيام مهترئة أو بيوت نصف مهدمة، دون كهرباء أو تدفئة أو مياه صالحة للشرب. ومع الانخفاض المرتقب في درجات الحرارة وتزايد هطول الأمطار، يُحَذَّر من خطر تفشي الأمراض التنفسية بين الأطفال وكبار السن، إضافة إلى احتمال غرق المخيمات المؤقتة في المناطق المنخفضة.
وفي هذا السياق؛ دعا فرحان حق، نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، إلى ضرورة تعزيز المساعدات الخاصة بالإيواء قبل حلول الشتاء، محذراً من أن الأوضاع في القطاع “لا يمكن أن تحتمل أي تأخير إضافي في الاستجابة الإنسانية”.
وأكد حق في تصريح صحفي، أن منظمات الإغاثة تواصل توسيع نطاق أنشطتها في المناطق التي كان الوصول إليها صعباً سابقاً، غير أن حجم الاحتياجات يفوق بكثير ما يُسمح بدخوله.
وأوضح أن الأمم المتحدة وزعت 300 خيمة و14,700 بطانية فقط على العائلات النازحة في خان يونس، وهي كميات رمزية أمام حجم الدمار الهائل الذي خلّفه العدوان، مشدداً على أن دخول كميات أكبر من مواد الإيواء ضرورة عاجلة لإنقاذ الأرواح.
وطالب حق الاحتلال بالسماح بمرور المساعدات بلا قيود، وإصدار تصاريح فورية لمنظمات الإغاثة الإنسانية العاملة في الميدان.
وأشار حق إلى أن فرق الأمم المتحدة تمكنت حتى الآن من إدخال 10,638 طناً من الإمدادات الأساسية إلى غزة منذ بدء وقف إطلاق النار. لكن “حكومة غزة” أكدت من جانبها أن ما دخل فعلياً لا يتجاوز 986 شاحنة من أصل 6,600 كان يفترض دخولها حتى مساء الاثنين، في خرق واضح لبنود اتفاق وقف إطلاق النار الذي أقرّ دخول المساعدات بشكل فوري ومتواصل.
ويستند وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، إلى خطة طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تقوم على انسحاب تدريجي لقوات الاحتلال، وإطلاق متبادل للأسرى، وفتح المعابر أمام الإمدادات الإنسانية. إلا أن مؤشرات الواقع الميداني تكشف استمرار العراقيل، ما يجعل الاتفاق هشّاً أمام ضغط الأوضاع الإنسانية المتدهورة.
وأسفرت الحرب التي شنها الاحتلال في 8 أكتوبر 2023 واستمرت لعامين، عن مقتل أكثر من 68 ألف فلسطيني وإصابة 170 ألفاً آخرين، في جريمة إبادة جماعية متكاملة الأركان. فعمليات التدمير الممنهجة، والاستهداف الواسع للمدنيين، والحصار الذي منع الغذاء والدواء والماء عن السكان، تشكل جميعها، وفق اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948، أركان جريمة تهدف إلى تدمير جماعة بشرية “كلياً أو جزئياً”.
ولا يزال الاحتلال يفرض قيوداً خانقة على إدخال مواد البناء والإيواء، ما يحرم آلاف العائلات من أدنى مقومات الحياة، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، ولا سيما اتفاقيات جنيف الرابعة التي تلزم قوة الاحتلال بضمان حماية المدنيين في زمن الحرب وتوفير احتياجاتهم الأساسية.
وفي ظل هذا المشهد؛ تبدو الاستجابة الدولية دون المستوى المطلوب، فيما تتراكم مسؤوليات قانونية وأخلاقية على المجتمع الدولي لفرض التزام الاحتلال ببنود القانون الدولي الإنساني ورفع الحصار فوراً، بما يسمح بإعادة الإعمار وتوفير الإيواء قبل أن تتحول مأساة غزة إلى فصل جديد من المعاناة الجماعية التي يصعب تداركها.