تتواصل في غزة فصول الإبادة الجماعية التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي منذ ما يقارب العامين، لتجمع بين القتل المباشر بالقصف والتجويع الممنهج عبر الحصار، في مشهد يفضح انهيار منظومة القوانين الدولية التي يفترض أنها تحمي المدنيين زمن الحرب.
وحذرت المتحدثة باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) تيس إنغرام في تصريحات خاصة لوكالة الأناضول، من تفاقم خطر المجاعة في مدينة غزة، مؤكدة أن الوضع “كارثي” وقد يمتد إلى وسط القطاع خلال أسابيع إذا لم يحدث تدخل عاجل.
وأوضحت أن عائلات كاملة باتت عاجزة عن توفير الغذاء لأطفالها، بينما يستمر القصف الاحتلالي على الأحياء السكنية والملاجئ، ما يفاقم من معاناة السكان.
وأشارت إنغرام إلى أن الفلسطينيين في شمال وشرق مدينة غزة يفرون من القصف باتجاه الغرب نحو البحر، حيث تزداد أعداد المخيمات والخيام على طول الشريط الساحلي. لكنها لفتت إلى أن النزوح جنوباً لا يقدم حلاً، إذ يواجه الأهالي هناك ظروفاً مشابهة تتسم بندرة المياه والغذاء واستمرار القصف. وأكدت أنه “لا يوجد مكان آمن في غزة”.
وأوضحت المتحدثة الأممية أنها التقت بمدراء مستشفيات أبلغوها عن تزايد أعداد الأطفال المصابين بجروح وكسور وحروق جراء القصف، إضافة إلى الازدحام الكبير في العيادات التي تدعمها اليونيسف، حيث يخضع الأطفال لفحوصات سوء التغذية.
وبينت أن ما نسبته 15-20% من الأطفال الذين تم فحصهم يعانون من سوء تغذية حاد، وهي نسبة تتجاوز العتبة المعترف بها دولياً للمجاعة.
ولفتت إلى وفاة أكثر من 110 أطفال حتى اليوم بسبب سوء التغذية، نصفهم تقريباً خلال العام الجاري وحده، مؤكدة أن هذه الوفيات “من صنع الإنسان” وكان يمكن تفاديها، مشددة على أن مئات الشاحنات من الغذاء والدواء يجب أن تدخل غزة يومياً لإنقاذ حياة الأطفال، لكن الاحتلال يمنع ذلك عبر حصار خانق متواصل منذ 18 عاماً.
ويغلق الاحتلال جميع المعابر المؤدية إلى القطاع منذ 2 مارس/آذار الماضي، مانعاً دخول المواد الغذائية والعلاجية، ما أدخل غزة في مجاعة حقيقية رغم تكدس قوافل المساعدات على حدوده. وحتى حين يسمح بمرور بعض الشاحنات؛ فإن الكميات ضئيلة لا تكفي الحد الأدنى من الاحتياجات، بينما تتعرض العديد من الشحنات لعمليات سطو من عصابات تقول حكومة غزة إن الاحتلال يوفر لها الحماية.
وتشكل هذه السياسات الممنهجة – القتل المباشر، التجويع، التدمير والتهجير القسري – جميعها أركان جريمة الإبادة الجماعية، حيث يُستهدف الوجود الفلسطيني ذاته ويُحرم السكان من الحق في الحياة.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، خلّفت حرب الإبادة أكثر من 64,368 قتيلاً و162,367 مصاباً، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى أكثر من 9 آلاف مفقود ومئات آلاف النازحين. كما حصدت المجاعة أرواح 387 فلسطينياً، بينهم 138 طفلاً.
إن ما يجري في غزة اليوم ليس مجرد أزمة إنسانية عابرة، بل هو مخطط متكامل لاقتلاع شعب من أرضه عبر القصف والحصار، في ظل صمت دولي يرقى إلى مستوى التواطؤ، بينما يستمر الاحتلال في فرض واقع يقوم على القتل والجوع والحرمان، دون رادع أو محاسبة.