في قطاع محاصر يرزح تحت وطأة الحرب والدمار، لم تعد القنابل وحدها تهدد حياة الفلسطينيين، بل أيضا انقطاع الكهرباء، ونفاد الوقود، وشلل المنظومة الصحية، لتصبح المستشفيات في غزة على شفا الانهيار الكامل، ما ينذر بكارثة إنسانية وشيكة تفتك بالمرضى قبل أن تصل إليهم نيران الغارات.
وحذّرت وزارة الصحة في قطاع غزة، السبت، من توقف وشيك للأقسام الحيوية والمنقذة للحياة في المستشفيات، نتيجة أزمة خانقة في الوقود اللازم لتشغيل المولدات الكهربائية، وسط استمرار الحصار الكامل المفروض من قبل الاحتلال الإسرائيلي منذ مارس/آذار الماضي، والذي يشمل الإغلاق التام للمعابر ومنع دخول أي إمدادات إنسانية أو وقود.
وقالت الوزارة إن الأزمة “تراوح مكانها ضمن مؤشرات غير مسبوقة”، محذرة من أن الضغط المتزايد الناتج عن تدفق الإصابات الحرجة إلى المستشفيات يضاعف الحاجة إلى استمرار تشغيل المولدات التي تعتمد عليها معظم مرافق الرعاية الطبية في ظل الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي.
وتتبع سلطات الاحتلال سياسة تقطير متعمدة في السماح بدخول كميات محدودة من الوقود، لا تكفي لتشغيل المرافق الصحية إلا لساعات معدودة، ما يترك الطواقم الطبية عاجزة عن تقديم الرعاية المنقذة للحياة.
وجددت الوزارة مناشدتها العاجلة للجهات الدولية المعنية بـ”التدخل والضغط على الاحتلال لإدخال كميات كافية من الوقود”، لتفادي انهيار كامل في المنظومة الصحية، في وقت يتعرض فيه القطاع لأحد أكثر فصول الإبادة دموية وطولاً في التاريخ المعاصر.
وتوقفت الثلاثاء الماضي خدمة غسيل الكلى بشكل كامل في مستشفى الشفاء، أكبر مستشفيات القطاع، بسبب نفاد الوقود، ما يهدد حياة مئات المرضى، خصوصاً من الأطفال وكبار السن.
وكانت وزارة الصحة قد حذرت مراراً خلال يونيو/حزيران الماضي من تعطل شبه كامل في تقديم الخدمات الصحية، نتيجة غياب الوقود والمستلزمات الطبية، إلى جانب التدمير الممنهج للبنية التحتية للمرافق الصحية بفعل الغارات الإسرائيلية، ومنع دخول المساعدات.
ومنذ مطلع مارس/آذار، صعّد الاحتلال من حصاره عبر قرار تعسفي بإغلاق جميع المعابر المؤدية إلى القطاع، ومنع دخول الوقود والمساعدات والبضائع، في خطوة تُعد امتداداً واضحاً لسياسة التجويع الشامل والتدمير الممنهج، واستهداف السكان المدنيين عبر أدوات متعددة، تشمل الحصار كأداة قتل بطيء.
وفي 18 مارس، تنصل الاحتلال من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى الذي ساد منذ يناير/كانون الثاني، وأعاد إطلاق حربه الشاملة على غزة، رغم التزام الطرف الفلسطيني بجميع بنود الاتفاق، ما أكد النية المبيّتة لمواصلة الإبادة الجماعية.
ومنذ اندلاع العدوان في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، خلّفت الحرب نحو 193 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، غالبيتهم من النساء والأطفال، إلى جانب أكثر من 10 آلاف مفقود، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة أودت بحياة كثيرين، بينهم عشرات الأطفال، في ظل صمت دولي مطبق وعجز المنظومة القانونية الدولية عن إيقاف هذا التدمير الواسع والممنهج لمجتمع بأكمله.