في مشهد يعكس حالة إنسانية مأساوية تتجاوز حدود الاحتمال؛ تتوالى المؤشرات من داخل سجن “بدر 3” على انهيار نفسي متسارع بين السجناء السياسيين، مع تسجيل 15 محاولة انتحار خلال أسبوعين فقط، بعضها تم في يوم واحد، وسط أوضاع توصف بأنها غير آدمية.
وكان محاولة انتحار استشاري القلب عبد الرحيم محمد إحدى أكثر المشاهد دلالة على حجم اليأس، حيث أقدم على ذبح نفسه أمام كاميرات المراقبة، في فعل صادم يعكس انعدام الأمل وشدة الانهيار. وكذلك حاول الخبير الاقتصادي عبد الله شحاتة والناشط السياسي رضا أبو الغيط وضع حدّ لحياتهما بطرق وصفت بالمروّعة.
ورغم أن سجن “بدر 3” بُني ضمن سلسلة سجون حديثة روّجت لها السلطات باعتبارها نموذجاً للإصلاح وتحسين ظروف الاحتجاز؛ فإن الواقع يظهر اتجاهاً مختلفاً تماماً، حيث يمثل كل من العزل التام، وانعدام التواصل مع العالم الخارجي، والحبس الانفرادي الطويل، والإهمال الطبي المتعمّد، والتجويع النفسي والجسدي، عناصر بارزة في سياسة ممنهجة لإرهاق السجناء وتفريغهم من إنسانيتهم.
وتبرز خطورة الوضع في أن معظم النزلاء هم من كبار السن أو من أصحاب الأمراض المزمنة، ويُحتجزون في زنازين ضيقة تفتقر إلى الضوء والهواء، ولا يُسمح لهم بممارسة الرياضة أو تلقي العلاج المناسب، ولا يُمنحون فرصة زيارة أو اتصال، ما يجعل من سجنهم صورة مطابقة للعقوبات الجماعية.
ومنذ 20 يونيو/حزيران الماضي، بدأ عدد من أبرز المعتقلين السياسيين إضراباً مفتوحاً عن الطعام والدواء احتجاجاً على هذه الظروف، من بينهم شخصيات معروفة، من نواب ومحامين وأكاديميين، يطالبون بأبسط الحقوق، كالخروج من العزل، والتريّض، والعلاج، ورؤية ذويهم. لكن صرخاتهم ظلت بلا صدى، إذ قوبلت بالتجاهل، بل والسخرية من معاناتهم، وفقاً لشهادات من داخل السجن.
ولم تجد محاولات إيصال هذه الانتهاكات إلى ساحات العدالة آذاناً صاغية، ففي إحدى جلسات المحاكمة مؤخراً، حاول عدد من المعتقلين التحدث عن أوضاعهم الصحية والانتحارات التي وقعت، لكن القاضي تجاهلهم تماماً، فيما استمر تجديد الحبس كأن شيئاً لم يكن.
ولا تتعلق هذه بسجن واحد فقط، حيث تمثل نموذجاً آخذاً في التوسع، يُستخدم كساحة عقاب جماعي خارج كل أطر العدالة. وإذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن “بدر 3” قد يتحول قريباً إلى شاهد صامت على واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية المغفلة في تاريخ السجون المعاصرة.