في مشهد يختزل فصول الكارثة الجارية في قطاع غزة؛ تسجّل فرق طبية تابعة لمرافق صحية محلية ارتفاعاً مقلقاً في معدلات سوء التغذية بين الأطفال، في ظل حصار مشدد يفرضه الاحتلال على القطاع.
ووفق بيانات حديثة لوكالة الأونروا؛ فإن طفلاً من كل عشرة أطفال يخضعون للفحص الطبي في العيادات يعاني من درجات متفاوتة من سوء التغذية، مع وجود آلاف الأطفال في مرحلة “الخطر الوشيك”، بينما لقي 67 طفلاً مصرعهم جوعاً أو بسبب تبعات سوء التغذية حتى الآن، بحسب ما وثّقته مصادر طبية ميدانية.
وتُظهر الفحوص أن هذه الأزمة تتصاعد باطراد منذ شهر مارس الماضي، حين فرض الاحتلال حصاراً خانقاً على ما تبقى من ممرات الغذاء والمساعدات، ومنع دخول الأدوية ومكملات التغذية، وقلّص الإمدادات الإنسانية إلى حدود كارثية.
وتحوّلت مستشفيات غزة وعياداتها إلى ساحات إنقاذ متأخرة، بلا مخزون طبي فعّال، ولا غذاء علاجي يمكن أن يوقف الانحدار السريع لأجسام الأطفال.
ولا يأتي سوء التغذية من فراغ، فهو نتيجة مباشرة ومقصودة لسياسات الحصار والتجويع. ويخضع السكان المدنيون في غزة، وبشكل خاص الأطفال، لمعادلة قاسية: لا طعام، لا دواء، لا ماء نظيف، لا كهرباء، ولا بيئة قابلة للحياة.
إن موت الأطفال جوعاً ليس حادثاً عارضاً، بل هو وجه آخر لحرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال منذ أكتوبر 2023، والتي لم تقتصر على القصف المباشر، بل استخدمت أيضاً التجويع كأداة قتل بطيء، في انتهاك صارخ لكل قواعد القانون الدولي الإنساني.
ويُعد استهداف الأطفال بالتجويع جريمة مركبة، لأنها تضرب الأجساد الأضعف والأكثر هشاشة، ولأنها تستند إلى تصميم ممنهج لإفشال كل محاولات النجاة. ومن الصادم أن أطفالاً لا تتجاوز أعمارهم ثلاث أو أربع سنوات يُفحصون اليوم لأول مرة، ليس لتلقي اللقاحات، بل لتحديد درجة ضمور أجسادهم وعجز أعضائهم الحيوية.
إن ما يجري في غزة من تجويع قسري للسكان المدنيين، خاصة الأطفال، يمثل جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، ويُصنّف قانونياً كأحد الأركان المعتمدة لجريمة الإبادة الجماعية، ليس فقط لأن القتل يتم بشكل جماعي، بل لأنه يُمارَس مع سبق الإصرار، وتُسخّر له السياسة والعسكر والقرار.
وتكمن الفضيحة الأكبر في أن كل هذا يحدث وسط صمت دولي مريب، وعجز منظّم عن تأمين مجرد جرعة غذائية عاجلة، أو حليب طبي لطفل يحتضر.