يشهد قطاع غزة تفاقمًا غير مسبوق في معدلات سوء التغذية بين الأطفال والحوامل، بعد شهور من الحصار وانهيار المقومات الأساسية للحياة.
وفي هذا السياق؛ حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) من الارتفاع المقلق في مستويات سوء التغذية بين الأطفال والحوامل في القطاع، بعد مرور أشهر على وقف إطلاق النار الأخير، مؤكدة أن الوضع الإنساني “لا يزال ينحدر نحو مستويات كارثية”.
وأعلنت المنظمة أن 9300 طفل دخلوا المستشفيات خلال تشرين الأول/أكتوبر الماضي لتلقّي العلاج من سوء التغذية الحاد، في وقت تراجعت فيه الأعداد مقارنة بذروة آب/أغسطس التي تجاوزت 14 ألف حالة، إلا أنّها تبقى أعلى بكثير من مستويات شباط/فبراير وآذار/مارس، بما يعكس استمرار نقص المساعدات وغياب أي تحسن فعلي في الظروف المعيشية.
وقالت المتحدثة باسم اليونيسف تيس إنجرام، في مؤتمر صحفي بجنيف، إن الكارثة الإنسانية تمتد إلى الأمهات أيضًا، إذ استقبلت المنظمة 8300 امرأة من الحوامل والمرضعات لعلاج سوء التغذية الحاد في تشرين الأول، بمعدل 270 حالة يوميًا.
وأضافت أن سوء تغذية الأمهات أدى إلى ولادات مبكرة ومواليد منخفضي الوزن “يموتون في غرف العناية الفائقة، أو ينجون ليدخلوا مبكرًا في دائرة سوء التغذية والمضاعفات الصحية”.
ووفق المنظمة؛ لم تُسجل غزة قبل تشرين الأول/أكتوبر 2023 أي نسب تذكر من سوء التغذية بين الحوامل، ما يجعل الانفجار الوبائي الحالي غير مسبوق.
وأعربت المتحدثة عن أسفها لفرض سلطات الاحتلال الإسرائيلي قيودًا تحول دون دخول مستلزمات طبية أساسية إلى القطاع، مشددة على أن هذه العوائق تمسّ مباشرة حق المدنيين في الصحة والحياة، وتؤدي إلى تفاقم الأزمة الغذائية والصحية على حد سواء.
ويكتسب تسليط الضوء على هذه القيود أهمية خاصة في ضوء القواعد الإنسانية التي تفرض على القوة القائمة بالاحتلال واجب تأمين الاحتياجات الأساسية للسكان المدنيين، بما فيها الغذاء والعلاج وضمان تدفق المساعدات دون تعطيل.
كما يعدّ منع دخول المواد الطبية أو عرقلة عمل المستشفيات انتهاكًا واضحًا للمبادئ الأساسية للحماية أثناء النزاعات، ويُنظر إليه بوصفه مساهمة مباشرة في تفاقم الوفيات الناجمة عن الجوع وسوء الرعاية الصحية.
ويؤدي إغلاق المعابر، خصوصًا معبر رفح، إلى قطيعة شبه تامة بين السكان والنظام الإنساني العالمي، ما يجعل وصول الغذاء والعلاج مشروطًا بقرارات عسكرية وإدارية لا تراعي الاحتياجات العاجلة لمليوني إنسان. ويترك هذا الواقع الأسر بلا قدرة على الحصول على بدائل غذائية، ويحوّل الأطفال الأكثر هشاشة إلى ضحايا مباشرَين لانهيار سلاسل الإمداد.
وفي ظل هذا الانسداد؛ يصبح النظام الصحي المثقل أصلاً عاجزًا عن الاستجابة، فيما تتحول المستشفيات إلى نقاط تسجيل لحالات سوء التغذية بدل أن تكون مراكز إنقاذ فعلي.
وتشير الأرقام المطروحة إلى أن سوء التغذية الحاد لم يعد ظاهرة عابرة، بل اتجاهًا تصاعديًا يعكس انهيار المقومات الأساسية للحياة، ويمسّ مباشرة جيلًا كاملًا من الأطفال الذين يواجهون خطر التأخر في النمو، وضعف المناعة، والوفاة المبكرة.
وتؤكد التطورات أن وقف إطلاق النار لم يجلب انفراجة إنسانية، وأن غياب الإرادة لتمكين دخول المساعدات وتحسين الظروف يفاقم الأزمة يوميًا، ويجعل من الجوع تهديدًا مستمرًا لحياة مئات الآلاف من المدنيين، خاصة الأطفال والنساء، وسط عجز دولي.


























