عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا ندوة بعنوان “صحفيو الجبهة الأمامية: الواقع المميت للصحفيين في غزة وسط الإبادة الجماعية”، مساء الخميس 25 يوليو/تموز 2024، حول الأوضاع الكارثية التي يواجهها الصحفيون حاليًا في فلسطين عامة وغزة حاليًا في ظل الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من 9 أشهر.
ضمت الندوة نخبة من الخبراء الدوليين في مجالات الصحافة والنشاط الحقوقي والأوساط الأكاديمية لتسليط الضوء على المخاطر الشديدة التي يواجهها الصحفيون والمدنيون في غزة والضفة الغربية، وهم د. نوا شاينديلنجر- أستاذة تاريخ الشرق الأوسط بجامعة ولاية ورشيستر، وبيل لو – محرر مجلة عرب دايجست، وإيدان وايت- مؤسس شبكة الصحافة الأخلاقية، كما شارك في الندوة أربعة من النشطاء الدوليين المتواجدين حاليًا في فلسطين، شاركوا تجربتهم من أرض الواقع ونقلوا تفاصيل العنف الذي تعرضوا له على يد المستوطنين والجنود الإسرائيليين.
افتتح بيل لو، رئيس تحرير مجلة عرب دايجست، كلمته بالحديث عن المخاطر المتصاعدة التي يواجهها الصحفيون في المنطقة بشكل عام، وفلسطين بشكل خاص، لافتًا إلى الإحصائية الصادمة التي كشفت مقتل نحو 170 صحفيًا على يد القوات الإسرائيلية خلال حرب الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، مشيرًا إلى أنه رقم غير مسبوق في أي من الصراعات والحروب على مدار السنوات.
كما أشار لو إلى اغتيال شيرين أبو عاقلة، الصحفية الفلسطينية/الأمريكية البارزة ومراسلة قناة الجزيرة، برصاص قناص إسرائيلي قبل أكثر من عامين، منتقدًا استخفاف السلطات الإسرائيلية بهذا القتل المتعمد باعتباره خطأ فردي، لافتًا أن ما حدث لشيرين وما يحدث حاليًا للصحفيين في غزة هو ممارسة متعمدة ومنهجية من قبل الاحتلال الإسرائيلي هدفها الأساسي تدمير ومحو كل السجلات والوثائق والفيديوهات التي تدين الإسرائيليين وتثبت ارتكابهم إبادة جماعية في فلسطين.
في ذات السياق شدد لو على أهمية الحفاظ على هذه الوثائق، مشيدًا بشجاعة الصحفيين الذين يواصلون توثيق الفظائع على الرغم من المخاطر. ودعا إلى إنشاء أرشيفات غير قابلة للتدمير لتقديمها أمام المحاكم الدولية والرأي العام لمحاسبة المتورطين في هذه الجريمة خاصة في ظل النفوذ القوي للوبي الإسرائيلي، وخاصة في المملكة المتحدة، حيث تستمر الحكومة الجديدة في دعم نتنياهو. وسلط لو الضوء على التحولات السياسية الأخيرة في المملكة المتحدة، حيث أدت الأصوات المؤيدة للفلسطينيين إلى نتائج انتخابية مهمة، مما أعطى بصيص أمل.
وفي ختام كلمته، أعرب لو عن إعجابه بشجاعة الصحفيين الميدانيين ودعا إلى الاستمرار في توثيق الجرائم، كما شدد على أهمية الدور الحاسم لحملات التضامن الدولية في توثيق الإبادة الجماعية المستمرة وضمان إيصال أصوات الضحايا للعالم.
في بداية مساهمتها، لفتت الدكتورة نوا شيندلينجر الانتباه إلى القضبان الموجودة على النوافذ في المنازل الفلسطينية، لافتة أنها وسيلة دفاع ضد هجمات المستوطنين التي تطال الفلسطينيين حتى داخل منازلهم وليس فقط أثناء تواجدهم في الشوارع.
ووجهت نقدًا لاذعًا للكونغرس الأمريكي لترحيبه بنتنياهو على الرغم من اتهاماته بارتكاب جرائم حرب، مسلطة الضوء على قمع حقوق التعديل الأول في الولايات المتحدة، واستهداف الناشطين المؤيدين لفلسطين في الأوساط الأكاديمية.
وأشارت شيندلينجر إلى التغطية الإعلامية المتحيزة للإبادة الجماعية في غزة وتجاهل الصحفيين الفلسطينيين الذين قتلوا.
وأكدت شيندلينجر على الفجوة بين الرأي العام، حيث عارض أغلب الأميركيين شحنات الأسلحة إلى إسرائيل، وأفعال الحكومة الأميركية. وأكدت شيندلينجر على أهمية النشاط الشعبي ودور النشطاء الشباب في الضفة الغربية وفي كل مكان حول العالم لرفع أصوات الضحايا الفلسطينيين، كما دعت إلى مساءلة الجناة الإسرائيليين معربة عن أملها في أن يؤدي اتساع رقعة المعارضة العامة إلى تغييرات كبيرة.
واختتمت شيندلينجر كلمتها بالإشادة بشجاعة النشطاء الشباب وتسليط الضوء على الدور الحاسم للحركات الشعبية في دفع التغيير، ودعت إلى مواصلة الجهود لرفع الوعي والضغط على الحكومات لدعم القانون الدولي وحقوق الإنسان.
في كلمته، أكد إيدان وايت، مؤسس ورئيس شبكة الصحافة الأخلاقية، على الحاجة الماسة لتفعيل القانون الإنساني الدولي ودعم الصحفيين في غزة والشرق الأوسط. وسلط الضوء على الخسائر البشرية الفادحة التي بلغت نحو 40 ألف قتيل، بما في ذلك العديد من النساء والأطفال، والقتل غير المسبوق لنحو 150-160 صحفياً في الحرب الحالية. وأدان وايت ممارسات إسرائيل الدموية، والتي قوضت الحماية القانونية الدولية والديمقراطية، داعياً إلى توفير حماية أقوى للصحفيين وإنفاذ القوانين الدولية.
وأشاد وايت بدول مثل جنوب أفريقيا والنرويج وإسبانيا وأيرلندا لاتخاذها موقفًا ضد تصرفات إسرائيل، لكنه أصر على الحاجة إلى المزيد من العمل العالمي. وشدد على أهمية دعم وسائل الإعلام المستقلة وضمان سلامة الصحفيين، حيث تعد حقوق الإنسان والصحافة المستقلة ركائز أساسية للديمقراطية.
واختتم وايت كلمته مؤكدًا على الترابط المتبادل بين حقوق الإنسان والصحافة المستقلة، مؤكدًا أن كليهما أمران حاسمان لبقاء الديمقراطية، ودعا إلى تقديم الدعم الفوري والمستدام للصحفيين على الأرض وشدد على أهمية محاسبة إسرائيل على انتهاكاتها للقانون الدولي.
شارك في الندوة كذلك أربعة من النشطاء الحقوقيين الدوليين الذين سافروا إلى الضفة الغربية لمناصرة الفلسطينيين وتوثيق الجرائم والفظائع التي يرتكبها المستوطنون الإسرائيليين ضد المدنيين الفلسطينيين، كما نقلوا شهاداتهم حول تعرضهم للضرب والاعتداءات على يد هؤلاء المتطرفين الإسرائيليين.
في مداخلته، روى الناشط الحقوقي ديفيد هامل حادثة مروعة وقعت في قرية قصرة، حيث رافق هو ونشطاء دوليون آخرون مزارعاً فلسطينياً إلى حقوله التي يزرع فيها الزيتون، والتي كانت مغلقة منذ أكتوبر/تشرين الأول. وروى هامل أن المجموعة تعرضت لهجوم بشع من قبل مستوطنين إسرائيليين من إحدى المستوطنات غير القانونية حيث اعتدوا عليهم بالعصي الخشبية والقضبان المعدنية والأحجار، مما أسفر عن إصابات متعددة. وشرح هامل بالتفصيل اعتداءات المستوطنين والمواجهة اللاحقة مع الجيش الإسرائيلي، الذي أطلق الذخيرة الحية على الفلسطينيين المحليين وتجاهل استغاثات النشطاء للتدخل.
من ناحية أخرى سلط هامل الضوء على الخطر المستمر الذي يواجهه الفلسطينيون يومياً، والذي هو أسوأ بكثير من العنف الذي تعرض له هو وزملائه من النشطاء الدوليين. كما أكد هامل أن الجيش الإسرائيلي متواطؤ بصورة مباشرة في عنف المستوطنين والقمع المنهجي الذي تفرضه سلطات الاحتلال على الفلسطينيين.
وفي ختام كلمته، أكد هامل على أهمية التضامن الدولي والحاجة إلى توثيق مستمر لهذه الفظائع، ودعا إلى مزيد من الوعي والتحرك من جانب المجتمع الدولي لدعم الفلسطينيين ومحاسبة إسرائيل على جرائمها التي ترتكبها بأريحية لتمتعها بإفلات تام من العقاب.
تحدثت كذلك الناشطة جيدا سباركس عن تجربتها الشخصية في الضفة الغربية حيث تعرضت للعنف على يد المستوطنين، لافتة إلى حجم الترهيب الذي يواجهه المزارعون الفلسطينيون. ووصفت كيف يقوم المستوطنون بشكل متكرر باقتلاع أشجار الزيتون القديمة من المزارع والحقول الفلسطينية وإعادة زراعتها في المستوطنات غير القانونية، مشيرة إلى أن ذلك يعتبر نوع من أنواع سرقة التراث الفلسطيني. وروت سباركس واقعة مؤلمة حيث رافقت هي ونشطاء آخرون امرأة فلسطينية إلى مزرعتها، لتجد تلك المرأة النباتات التي كانت تعتني بها لأكثر من 50 سنة محترقة، ما تسبب في انهيار هذه المرأة خاصة مع عدم وجود أي سبيل لمحاسبة الجناة.
كما تحدثت سباركس عن واقعة أخرى حيث هاجم المستوطنون مجموعتها بقضبان معدنية وهراوات خشبية، وتم دفعها من أعلى تل، وأصيبت بجروح أثناء محاولتها حماية نفسها. ووصفت كيف استهدف المستوطنون الجميع دون تمييز، بما في ذلك النساء والأمهات، وكيف أدى الجيش الإسرائيلي إلى تفاقم الوضع بتوجيه البنادق إلى الفلسطينيين وإطلاق الذخيرة الحية. كما تحدثت سباركس عن المضايقات اليومية والحرب النفسية التي يواجهها الفلسطينيون، بما في ذلك الأطفال الذين غالبًا ما يتم استهدافهم بالغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت حتى داخل مدارسهم.
وفي ختام كلمتها، دعت سباركس إلى مزيد من التضامن الدولي والعمل لدعم الفلسطينيين، مؤكدة على أهمية توثيق هذه الفظائع، كما حثت المجتمع الدولي على اتخاذ إجراءات لمحاسبة إسرائيل على أفعالها.
انضمت للندوة كذلك الناشطة الأمريكية ليزا أديكاري، والتي قدمت شهادتها من بيت لحم، حيث تحدثت عن العنف الذي تعرضت له على يد المستوطنين الإسرائيليين، وسلطت الضوء على الصدمات النفسية التي يعاني منها الأطفال الفلسطينيون بسبب الوحشية التي يتعرضون إليها من قبل جنود الاحتلال والمستوطنين المتطرفين.
ووصفت أديكاري كيف يخاف الأطفال من اللعب في الساحات بسبب التهديدات التي يتلقونها من الجنود بإطلاق الرصاص الحي عليهم. ووصفت أديكاري السيطرة المرعبة التي يتمتع بها جيش الاحتلال الإسرائيلي على القرى الفلسطينية، حيث يتم إغلاق البوابات، وعزل البلدات عن بعضها، وروت أديكاري كذلك كيف هدد مستوطن مجموعة من الأطفال الصغار أثناء توجههم إلى حفل زفاف، فأوقف سيارته وأخبرهم أنه سيقتلهم.
في ذات السياق عقدت أديكاري مقارنة بين التعايش الديني في فلسطين، وبين استخدام الدين كسلاح السياسة الأميركية لنشر أجندات خبيثة. وأدانت أديكاري تواطؤ الحكومة الأميركية في الإبادة الجماعية وأعربت عن امتنانها لكرم الضيافة الذي أظهره الشعب الفلسطيني.
كما شاركت ليزا أديكاري تجربتها الشخصية حول تعرضها للعنف من جانب المستوطنين الإسرائيليين، والتي تسببت بإصابتها بكدمات شديدة وسحجات على ذراعها.
واختتمت أديكاري حديثها بمشاركة ارتباطها العاطفي العميق بشعب فلسطين، داعية إلى استمرار الدعم الدولي والعمل على معالجة الإبادة الجماعية المستمرة ودعم حقوق الإنسان والعدالة.
وروت فيفي تشين تجربتها في الضفة الغربية وتعرضها للضرب على يد المستوطنين، حيث تحدثت عن قيام صبية مستوطنون مسلحون بالهراوات والقضبان المعدنية بالاعتداء على مجموعة من الناشطين الدوليين، معظمهم من النساء. كما أصيبت تشين نفسها بجروح خطيرة، مع تورم شديد في ذراعيها نتيجة هذه الهجمات، وسلطت الضوء على محاولات المستوطنين المتعمدة لتجنب تصويرهم وإفلاتهم من العقاب بدعم من الجيش الإسرائيلي.
كما تحدثت تشين هجوم المستوطنين غير المبرر على المزارعين الفلسطينيين أثناء تواجدهم في حقولهم للزراعة. وروت بالتفصيل كيف وصل المستوطنون في سيارة جيب، وحاصروا المجموعة، ثم شنوا هجومًا عنيفًا على المزارعين وعلى بقية النشطاء الدوليين الذين كانوا هناك.
وانتقدت تشين ديناميكيات القوة غير المتكافئة، حيث هاجم المستوطنون المزارعين الفلسطينيين العزل بينما أدى الجيش الإسرائيلي إلى تفاقم الوضع بوصوله مع المستوطن الرئيسي وتوجيه البنادق نحو الفلسطينيين، وأضافت أن الجيش الإسرائيلي وجه إليهم أفظع الألفاظ، وتجاهل توسلاتهم للمساعدة، وعاملهم كمجرمين على الرغم من نواياهم السلمية.
وأدانت تشين تصوير الوضع على أنه حرب متساوية، مؤكدة أن ما يحدث هو عنف من طرف واحد، والضحية هنا هو الشعب الفلسطيني.
وفي الختام، دعت تشين إلى مزيد من الوعي والتحرك من جانب المجتمع الدولي لدعم الفلسطينيين ومحاسبة إسرائيل على جرائمها، وأكدت على أهمية التوثيق المستمر والإبلاغ لضمان قول الحقيقة وتحقيق العدالة.