في واحدة من أبشع صور المأساة التي تعصف بقطاع غزة منذ أكثر من سبعة أشهر؛ فقدت الطبيبة الفلسطينية آلاء النجار تسعة من أطفالها العشرة، بعد أن استهدفت غارة جوية للاحتلال منزلها في مدينة خان يونس جنوب القطاع، بينما كانت تؤدي واجبها المهني والإنساني في مستشفى ناصر الطبي.
الطبيبة التي كرّست حياتها لعلاج الجرحى وسط حرب لا هوادة فيها، كانت على رأس عملها حين قصفت طائرات الاحتلال منزلها، فحوّلت عائلتها إلى ضحايا تحت الركام.
ووفق مصادر طبية؛ نجا أحد أبناء الطبيبة النجار من المجزرة، لكنه يرقد في حالة حرجة إلى جانب والده المصاب.
ولم تكن هذه المجزرة حدثاً معزولاً، بل تأتي في سياق نمط مستمر من الاستهداف الممنهج للمدنيين، وللأطقم الطبية تحديداً، في انتهاك واضح للقانون الدولي الإنساني الذي يجرّم استهداف الطواقم الطبية ومرافقها، أو عائلاتها، باعتبارهم يتمتعون بحماية خاصة في أوقات النزاع المسلح. إن تعمّد قتل أطفال طبيبة خلال قيامها بواجبها الإنساني لا يمكن فهمه إلا كرسالة إرهابية تستهدف بثّ الرعب وتفكيك ما تبقى من البنية الاجتماعية والصحية في القطاع.
ومنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تُمارس ضد سكان غزة سياسة تدميرية شاملة، تقوم على استهداف المدنيين، وتدمير المنازل فوق رؤوس ساكنيها، وتجويع السكان، واستهداف المؤسسات الطبية والتعليمية، وترويع الناجين. وقد خلّفت هذه الحرب حتى الآن أكثر من 176 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود ومئات آلاف النازحين، في ظل حصار خانق ومنع ممنهج لدخول المساعدات.
ولا يمكن تصنيف جرائم من هذا النوع، كاستهداف منزل طبيبة وقتل أطفالها، باعتبارها “أضراراً جانبية” كما يحاول الاحتلال وداعموه تسويقها، بل ترقى إلى مستوى جرائم الإبادة الجماعية. فحين تُمارس عمليات القتل والتهجير والتجويع والحرمان من الرعاية الصحية والتعليم بشكل متواصل وممنهج، ضد مجموعة سكانية محددة، مع وجود نية واضحة لتدميرها كلياً أو جزئياً، فإنها تدخل في نطاق التعريف القانوني للإبادة الجماعية كما ورد في اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948.
إن الصمت الدولي أمام هذه الجرائم يشكّل تواطؤاً غير مباشر، ويقوّض المنظومة الحقوقية التي قامت على أنقاض الحروب الكبرى لمنع تكرار المآسي الجماعية. إن حماية المدنيين ليست شعاراً أخلاقياً، بل التزام قانوني لا يجوز التخلي عنه أو التعامل معه بانتقائية.