دخل العدوان المتواصل الذي تنفذه قوات الاحتلال الإسرائيلي على مدينة جنين ومخيمها شهره الخامس، وسط تصاعد غير مسبوق في عمليات الهدم والتجريف والاعتقالات، واستمرار الحصار العسكري المفروض على المنطقة.
فمنذ 121 يومًا؛ لم تتوقف الاقتحامات، ولم تهدأ آلة التدمير، في مشهد يُظهر أن ما يجري لا يرتبط بأهداف أمنية مؤقتة كما تدّعي سلطات الاحتلال، بل هو سياسة متعمدة لإعادة تشكيل المكان واقتلاع السكان من واقعهم الجغرافي والمعيشي.
وصباح اليوم الأربعاء؛ اقتحمت قوات الاحتلال الحي الشرقي من المدينة، واعتقلت المواطنين غسان السعدي وإياد العزمي بعد محاصرة منزل ومقهى السعدي، وفرضت حصارًا على المنطقة من خلال نشر الآليات العسكرية عند المداخل، ومنعت حركة السكان واحتجزت المركبات، في عملية تنتمي إلى أساليب الاحتلال الكلاسيكية في التضييق على الحياة المدنية.
وفي بلدة قباطية جنوب جنين؛ أصيب شاب برصاص الاحتلال في البطن، بالتزامن مع اقتحام البلدة وتجريف الطرق وشبكات المياه والكهرباء وتحويل منازل إلى نقاط تمركز عسكري، وشن حملة مداهمات واعتقالات، وتدمير عدد من المركبات على الشارع الرئيسي الذي يربط البلدة بمدينة جنين.
ولا يقتصر العدوان على لحظات الاقتحام، بل يشمل كذلك عمليات ممنهجة لتغيير المعالم العمرانية للمخيم، حيث شق الاحتلال قرابة 15 شارعًا داخله، رغم أن المخيم لا تتجاوز مساحته نصف كيلومتر مربع.
وتشير بيانات بلدية جنين إلى تدمير أكثر من 600 منزل بشكل كلي داخل المخيم، في حين تضررت معظم المنازل الأخرى وأصبحت غير صالحة للسكن. كما تم تدمير 120 كيلومترًا من الشوارع، و42 كيلومترًا من خطوط المياه، و99 كيلومترًا من شبكات الصرف الصحي، ما يعكس حجم الاستهداف المنهجي للبنية التحتية، بما يتجاوز أي تبرير عسكري معقول.
ويشهد المخيم، الذي فُرغ من سكانه نتيجة الحصار والعدوان، إطلاقًا كثيفًا ومتكررًا للرصاص الحي من قبل قوات الاحتلال، مع تمركز دائم عند مداخله، خاصة في منطقة دوار الحصان. وتكشف الصور القليلة التي تخرج من داخله حجم الدمار الهائل في المنازل والمرافق العامة، بينما تتصاعد وتيرة التعزيزات العسكرية والإجراءات الميدانية في محيطه بشكل يومي، ويستمر الانتشار الواسع لفرق المشاة في المناطق المجاورة.
ولم تسلم القرى المحيطة بجنين، مثل أم التوت وخربة تلفيت وميثلون، من الاقتحامات اليومية، التي تشمل تفتيش المنازل وتوقيف المركبات ونشر الحواجز العسكرية. ويشير هذا التوسع في العمليات إلى رغبة الاحتلال في تطويق كامل المنطقة، وفرض واقع أمني طويل الأمد يقوم على الترويع وتدمير الحياة الطبيعية للسكان.
وتؤكد التقديرات الميدانية أن الاحتلال يحاول عبر هذه الإجراءات فرض تغييرات جذرية على المخيم والمدينة، ليس فقط من خلال العمليات العسكرية، بل أيضًا عبر إعادة تشكيل البنية المدنية والمكانية. وتُظهر هذه السياسة وضوحًا في الأهداف بعيدة المدى: تهجير السكان، تدمير نسيجهم الاجتماعي، ومنع أي عودة للحياة الطبيعية.
ويعكس العدوان الشامل الذي تتعرض له جنين ومخيمها عقلية استعمارية قائمة على السيطرة والعقاب الجماعي، دون أي اعتبار للقانون الدولي أو للحق الإنساني في العيش بأمان. وفي ظل هذا الدمار المستمر والصمت الدولي، تظل جنين عنوانًا دائمًا لمقاومة لم تُكسر، لكنها تُدفع ثمنها كل يوم بدماء المدنيين وبيوتهم المهدّمة ومدارسهم ومرافقهم المحطمة.