تعيش منظومة الرعاية الصحية في قطاع غزة على حافة الانهيار الكامل، مع تفاقم أزمة نقص الأدوية والمستهلكات الطبية نتيجة الحصار الخانق الذي يفرضه الاحتلال منذ أشهر، وتعمّد منع وصول الإمدادات الطارئة للمستشفيات.
وفي هذا السياق؛ حذرت زارة الصحة في غزة، الثلاثاء، من أن الأوضاع بلغت مستوى “كارثياً”، مؤكدة أن آلاف المرضى والجرحى يواجهون خطر الموت البطيء نتيجة حرمانهم من العلاج والدواء.
ولا يمكن فصل هذا المشهد عن سياق أوسع، يتمثل في جريمة إبادة جماعية متواصلة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، خلّفت حتى الآن أكثر من 66,055 قتيلاً و168,346 مصاباً، معظمهم من النساء والأطفال، فضلاً عن المجاعة التي أودت بحياة مئات المدنيين، بينهم 147 طفلاً.
وفي موازاة ذلك؛ يواصل الاحتلال استهداف البنية الصحية بشكل مباشر، عبر قصف وتدمير 38 مستشفى و96 مركزاً للرعاية الصحية، إضافة إلى تعطيل أو تدمير 197 سيارة إسعاف، بحسب بيانات رسمية محلية.
ويُعد منع دخول الأدوية والمستلزمات الطبية جريمة مزدوجة، فهو من جهة يشكل عقاباً جماعياً محظوراً بموجب المادة (33) من اتفاقية جنيف الرابعة، ومن جهة أخرى يمثل خرقاً صارخاً لالتزامات دولة الاحتلال كقوة قائمة بالاحتلال، التي يوجب عليها القانون الدولي الإنساني ضمان الرعاية الصحية للسكان المحميين وعدم عرقلة وصول الإغاثة الإنسانية. كما أن استهداف المرافق الطبية والعاملين الصحيين يرقى إلى جريمة حرب موصوفة في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وفي إطار أوسع؛ فإن جريمة تجويع السكان، إلى جانب القتل واسع النطاق والاستهداف المنهجي للبنية التحتية المدنية، تكوّن أركان الإبادة الجماعية كما يعرّفها اتفاق منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948، والتي تشمل “إلحاق أذى جسدي أو عقلي خطير بأعضاء جماعة قومية أو إثنية أو دينية”، و”فرض ظروف معيشية يراد بها تدميرها كلياً أو جزئياً”.
إزاء هذا الواقع؛ تتحمّل الأطراف الدولية – ولا سيما الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف – مسؤولية قانونية وأخلاقية للتدخل العاجل من أجل وقف الانتهاكات وضمان تدفق الإمدادات الطبية بشكل آمن وسريع، تحت طائلة المساءلة عن التواطؤ أو التقاعس.
كما أن استمرار الدعم العسكري والسياسي للاحتلال من دول كبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، يجعل هذه الأطراف شريكة في المسؤولية عن الجرائم المرتكبة في غزة.
إن الوضع في غزة لم يعد أزمة إنسانية فحسب، بل هو اختبار مباشر للنظام الدولي برمته، فهل تبقى قواعد القانون الدولي الإنساني حبراً على ورق، أم تُترجم إلى إجراءات ملزمة توقف جريمة الإبادة الجارية وتعيد للسكان أبسط حقوقهم في الحياة والعلاج؟