مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ؛ يواجه قطاع غزة خطر انهيار شامل في نظامه الصحي بفعل استمرار الحصار الإسرائيلي ومنع دخول المساعدات الإنسانية والطبية، في وقت يعاني فيه مئات آلاف الجرحى والمرضى من أوضاع مأساوية تفوق قدرة المرافق الصحية المتبقية على الاستيعاب.
وفي هذا السياق؛ طالبت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، الأحد، باستجابة طارئة لإدخال الإمدادات الطبية الضرورية، مؤكدة أن “الأوضاع الصحية والإنسانية في القطاع تتطلب استجابة عاجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه”.
وأشارت في بيانها إلى أن آلاف الجرحى والمرضى بحاجة ماسة إلى أماكن مؤهلة لتقديم الرعاية الصحية لهم، بينما أدى تدمير المستشفيات ونفاد المستلزمات إلى توقف معظم الخدمات التخصصية والتشخيصية، مما يعرقل التدخلات الجراحية المعقدة.
وشددت الوزارة على أن “تعزيز ما تبقى من مستشفيات عاملة في القطاع بات أولوية قصوى لا تحتمل المزيد من التأخير”، في ظل عجز كامل في الطاقة الاستيعابية ونقص حاد في الأدوية والمعدات والمحاليل الطبية.
وبحسب بيانات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة؛ فقد دمّر الاحتلال وأخرج عن الخدمة خلال عامين من الإبادة 38 مستشفى، و96 مركزاً للرعاية الصحية، و197 سيارة إسعاف، و61 مركبة إنقاذ وإطفاء، ما يجعل النظام الصحي في حالة انهيار شبه تام.
ويُعدّ استمرار الحصار ومنع دخول المساعدات الطبية خرقاً فاضحاً لاتفاقيات جنيف الرابعة التي تُلزم قوة الاحتلال بتأمين الرعاية الصحية للسكان المدنيين وضمان مرور الإمدادات الإنسانية دون عوائق. كما أن استهداف المرافق الطبية يشكّل جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
ورغم نصّ اتفاق وقف إطلاق النار الذي أُعلن عنه الخميس، على السماح الفوري بدخول المساعدات الإنسانية وتوزيعها بحرية وفق الآلية المتفق عليها؛ إلا أنه لم تسجَّل حتى صباح الأحد أي عملية إدخال للإمدادات، ما يعكس استمرار سياسة العقاب الجماعي والتجويع بحق سكان القطاع، في تحدٍّ واضح للقرارات الأممية والاتفاق الإنساني الأخير.
وخلال عامين من الإبادة الجماعية؛ قتل الاحتلال أكثر من 67 ألف فلسطيني وأصاب نحو 170 ألفاً آخرين، معظمهم من الأطفال والنساء، فيما تسبب الحصار والمجاعة في وفاة مئات المدنيين، بينهم عشرات الأطفال.
إن استمرار منع الإمدادات الطبية والمساعدات الإنسانية بعد وقف إطلاق النار، لا يعني سوى إطالة أمد الجريمة وفرض الموت البطيء على سكان غزة، وسط صمت دولي يرقى إلى التواطؤ مع جرائم الاحتلال.
ويتحمّل المجتمع الدولي مسؤولية قانونية وأخلاقية عن استمرار الكارثة، ويتوجب عليه إجراء تحقيق دولي مستقل، ومساءلة الاحتلال على جرائمه بحق النظام الصحي في غزة، وإنشاء آلية حماية دولية عاجلة تضمن وصول الإمدادات الطبية والإنسانية دون قيود.
إن ما يجري في غزة اليوم ليس أزمة إنسانية فحسب، بل انتهاك متواصل لجوهر القانون الدولي الإنساني، واختبار حقيقي لإرادة العالم في مواجهة الإبادة الجماعية وإعلاء قيمة الإنسان فوق اعتبارات السياسة.