يواصل الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة الجماعية ضد المدنيين في قطاع غزة، حيث أسفرت غارات جوية وقصف مدفعي وإطلاق نار مباشر منذ فجر اليوم الأحد وحتى لحظة نشر هذا الخبر عن مقتل 21 مدنياً، وإصابة العشرات، بينهم أطفال ونساء، في مناطق متفرقة من القطاع، وسط تحذيرات من كارثة إنسانية متفاقمة بفعل الانهيار الكامل للنظام الصحي.
وبحسب مصادر طبية؛ فقد قُتل 8 أشخاص في قصف استهدف منطقة جباليا البلد شمال القطاع، في وقتٍ انتشلت فيه الطواقم جثماني قتيلين من تحت الأنقاض في منطقة معن شرق خان يونس.
كما قُتل 5 مدنيين بينهم طفلتان في قصف بطائرة مسيّرة استهدف خيام نازحين في منطقة المواصي غرب خان يونس، فيما توفيت الطفلة ديما أبو موسى متأثرة بجراح سابقة أُصيبت بها في قصف مماثل.
وفي مدينة رفح؛ قُتل 4 مدنيين، وأُصيب أكثر من 70 آخرين برصاص جيش الاحتلال أثناء محاولتهم الوصول إلى مركز مساعدات غرب المدينة. كما قُتل مدني وأُصيب آخرون في قصف على مركز توزيع مساعدات قرب ما يسمى “محور نتساريم” وسط القطاع.
وفي الوقت نفسه؛ واصل جيش الاحتلال تدمير منازل ومنشآت مدنية في جباليا وشرق غزة، في سياسة ممنهجة لإفراغ المناطق من سكانها، وتكريس واقع تهجيري بالقوة.
ومنذ أسابيع؛ تحوّلت مراكز توزيع المساعدات الإنسانية إلى نقاط استهداف مباشر للمدنيين، في مشهد يعكس بوضوح كيف أصبح الغذاء أداة حرب، وحياة المدنيين رهينة لمعادلات ميدانية وعسكرية. وقد أفضى هذا النهج إلى مقتل وجرح المئات ممن حاولوا الوصول إلى تلك المراكز في ظروف تنعدم فيها أبسط ضمانات السلامة.
وكانت وكالة “الأونروا” قد صرّحت في وقت سابق بأن “نموذج توزيع المساعدات الحالي في غزة غير فعّال، بل يمثل دعوة مفتوحة للمدنيين نحو موتهم”، في إشارة إلى تفاقم المجاعة، وغياب آليات حقيقية لتوزيع آمن وعادل.
وأكدت المصادر الطبية اليوم أن مخزون الوقود في مستشفيات قطاع غزة لا يكفي سوى ليومين فقط، ما يُهدد بشلل كامل للمرافق الصحية، خاصة غرف العمليات والعناية المركزة. كما يواجه المصابون صعوبات هائلة في الوصول إلى المستشفيات بسبب الحصار المشدد، وانقطاع الطرق، والاستهداف المتكرر لسيارات الإسعاف.
ولا يأتي هذا الانهيار بمعزل عن الواقع العام، إذ تقف المستشفيات اليوم بلا كهرباء كافية، بلا أدوية، بلا كوادر طبية كافية، في وقتٍ تتصاعد فيه أعداد الجرحى، وتُسجّل إصابات جماعية يومية في صفوف المدنيين نتيجة الغارات والقنص والاستهداف المباشر للنازحين.
ومنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، تُسجّل جرائم ممنهجة في قطاع غزة تمثل حرب إبادة جماعية متكاملة الأركان، تُمارس فيها سياسات القتل الجماعي، التجويع، التهجير القسري، وتدمير البنية التحتية المدنية، في انتهاك صارخ لقواعد القانون الدولي الإنساني.
وقد ارتفعت حصيلة القتلى منذ بداية العدوان إلى 54,772 قتيلاً، فيما بلغ عدد الجرحى 125,834، وسط استمرار وجود آلاف المفقودين، ومئات الآلاف من النازحين في ظروف غير إنسانية. ومع استمرار إغلاق المعابر، ومنع دخول المساعدات والوقود، تتسع دوائر الخطر يومياً لتشمل كل مقومات الحياة.
إن ما يجري في غزة لم يعد مجرد مأساة إنسانية أو أزمة سياسية، بل جريمة مستمرة، تُرتكب أمام مرأى العالم، ويُفترض أنها تقع تحت طائلة القانون الدولي، لكنها حتى الآن تُواجَه بصمت دولي يكاد يرقى إلى التواطؤ.
وفي وجه هذا الصمت؛ لا يزال المدنيون الفلسطينيون يواجهون الحرب وحدهم، بينما يتحول الخبز إلى ترف، والوصول إلى مستشفى إلى مخاطرة بالحياة، والنزوح إلى المخيمات إلى حكم بالإعدام، في ظل حرب إبادة بطيئة، لكنها ثابتة، لا تترك مجالاً للنجاة إلا بالعدالة، التي لا تزال غائبة.