شهد قطاع غزة، منذ 27 مايو/أيار الماضي، تصعيداً غير مسبوق في استهداف المدنيين خلال محاولاتهم الوصول إلى مراكز توزيع الغذاء، فيما أصبح موصوفا بـ”مصائد الموت”.
وقد ارتفعت حصيلة الضحايا إلى 450 قتيلاً و3466 جريحاً، في حين لا يزال 39 شخصاً في عداد المفقودين، بحسب ما أفاد به المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.
وتزامن ذلك مع فرض الاحتلال لآلية جديدة لتوزيع المساعدات، تحاكي سيطرة عسكرية ميدانية تحت غطاء “إنساني”، مما حوّل عملية الحصول على الغذاء من ضرورة معيشية إلى مخاطرة يومية قد تودي بالحياة.
وجاءت هذه الآلية المدعومة أمريكياً، خارج مظلة المنظمات الدولية المعنية، مما عمّق من عزلة القطاع المحاصر، وفاقم من انتهاكات قواعد القانون الدولي الإنساني.
وتشير الوقائع على الأرض تشير إلى أن القوات التابعة للاحتلال تتعمد إطلاق النار الحي على المدنيين الجوعى أثناء تجمعهم للحصول على المساعدات، في سياسة تُظهر نمطاً ممنهجاً من استخدام الغذاء كسلاح حرب.
ومنذ 2 مارس/آذار، تغلق سلطات الاحتلال بشكل شبه كامل جميع المعابر المؤدية إلى قطاع غزة، وتمنع دخول الإمدادات الحيوية من غذاء ودواء ووقود، مع السماح بدخول أعداد محدودة من الشاحنات عبر معبر كرم أبو سالم، الخاضع لسيطرتها شرق مدينة رفح. وفي المقابل؛ يحتاج سكان القطاع إلى ما لا يقل عن 500 شاحنة مساعدات يومياً لتغطية الحد الأدنى من الاحتياجات.
وبات قطاع غزة الذي يضم ما يقرب من 2.4 مليون نسمة، يشهد انهياراً إنسانياً شاملاً، إذ تُقدّر أعداد المشردين داخلياً بنحو 1.5 مليون، بعد تدمير المنازل ومراكز الإيواء والمستشفيات والمدارس، ضمن حملة تدمير ممنهجة. وقد أدى انعدام المأوى وانتشار الأمراض وسوء التغذية إلى ارتفاع أعداد القتلى، لا سيما بين الأطفال والنساء.
ويُعد استخدام التجويع كوسيلة حرب انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي، ويقع ضمن الجرائم التي تُصنَّف كجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية، خاصة في ظل توافر نية التدمير الجزئي أو الكلي لجماعة سكانية، كما هو الحال في غزة. وقد فاقم من حدة هذه الجريمة التواطؤ الصريح من قبل قوى دولية تدعم الحصار والعدوان سياسياً وعسكرياً.
ومنذ اندلاع العدوان في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ارتكب الاحتلال سلسلة من الأعمال التي تتسق في نمطها مع التعريف القانوني للإبادة الجماعية، وتشمل القتل الممنهج، التهجير القسري، التدمير واسع النطاق للبنية التحتية المدنية، وحرمان السكان من المقومات الأساسية للحياة. وتفيد التقديرات الرسمية الأخيرة بأن عدد القتلى والجرحى قد تجاوز 187 ألفاً، إلى جانب أكثر من 11 ألف مفقود، معظمهم من الأطفال والنساء.
وفي ظل استمرار هذه الكارثة الإنسانية، فإن السكوت الدولي وتراخي المجتمع الدولي في تحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية، يكرّس واقعاً تُنتَهك فيه المعايير الإنسانية على نحو غير مسبوق، ويُطلق يد الاحتلال للاستمرار في ارتكاب ما يمكن توصيفه بحق بأنه حرب إبادة جماعية مكتملة الأركان.