في ظل استمرار الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون في قطاع غزة منذ ما يقارب العامين، صعّد الاحتلال من عملياته العسكرية خلال الساعات الأخيرة، موقعاً 36 قتيلاً بينهم أطفال ونساء، في هجمات جوية ومدفعية ورصاص حي استهدفت تجمعات للمدنيين في مناطق متفرقة من القطاع المحاصر.
وطالت الهجمات خيام نازحين، ومنازل سكنية، وأشخاصاً تجمعوا بانتظار وصول المساعدات الإنسانية، في مشهد يختزل سياسة ممنهجة تقوم على استهداف الحياة المدنية وتجويع السكان ومنع عنهم أبسط مقومات البقاء.
ففي خان يونس، أصيب عشرات الفلسطينيين برصاص الاحتلال أثناء انتظارهم شاحنات المساعدات، فيما استهدف قصف مدفعي وجوي خياماً للنازحين قرب بوابة مدينة أصداء ومحيط مدينة حمد في منطقة المواصي، ما أسفر عن مقتل 16 بينهم ستة أطفال.
كما قُتل مدنيون آخرون في استهدافات متفرقة شملت منزلاً لعائلة أبو جياب في دير البلح، وأخرى لعائلات الحميدي والأشقر في مخيمات الوسطى، إلى جانب هجمات بطائرات مسيرة على خيام النازحين في خان يونس.
وفي مدينة غزة، قُتل فلسطيني وأصيب آخرون جراء قصف مدفعي على محيط شارع “10”، بينما قُتل آخر وأصيب عدد من المدنيين من منتظري المساعدات قرب منطقة زيكيم شمال القطاع.
ومنذ 27 مايو/ أيار الماضي، فرض الاحتلال آلية لتوزيع المساعدات عبر ما يسمى “مؤسسة غزة للإغاثة الإنسانية”، بدعم أمريكي، بعيداً عن إشراف الأمم المتحدة، غير أن هذه الآلية تحولت عملياً إلى “مصائد موت”، إذ أودت – وفق إحصاءات محلية – بحياة أكثر من ألفي فلسطيني كانوا بانتظار المساعدات، وأصابت أكثر من 15 ألفاً آخرين.
ولم يقتصر القصف على الجنوب والوسط، بل امتد إلى الشمال حيث واصل الاحتلال قصفاً مكثفاً لحي الزيتون وتفجيرات واسعة النطاق للمباني والمنشآت، ضمن خطة تهدف إلى إعادة احتلال مدينة غزة وتهجير سكانها البالغ عددهم نحو مليون نسمة.
ويدخل ما يجري في غزة في صلب تعريف جريمة الإبادة الجماعية الوارد في اتفاقية منع جريمة الإبادة لعام 1948، إذ يتجسد في قتل أفراد جماعة قومية بعينها على نطاق واسع، وفرض ظروف معيشية تؤدي إلى فنائها المادي عبر التجويع والتدمير والحرمان من المساعدات. كما يتقاطع مع جرائم الحرب وفق القانون الدولي الإنساني، خصوصاً استهداف المدنيين عمداً ومهاجمة أماكن الإيواء والمرافق الإنسانية.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، خلّفت جرائم الاحتلال حصيلة دامية بلغت أكثر من 62 ألف قتيل و157 ألف مصاب، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى أكثر من 9 آلاف مفقود، ومئات آلاف النازحين. كما أودت المجاعة بحياة 273 شخصاً، بينهم 112 طفلاً، في انتهاك صارخ لحظر استخدام التجويع كسلاح في النزاعات المسلحة.
ولا تعكس فقط هذه الأرقام مأساة إنسانية كبرى، بل تكشف عن سياسة إبادة ممنهجة تهدف إلى القضاء على مقومات الوجود الفلسطيني في قطاع غزة، بعيداً عن أي التزامات قانونية أو إنسانية، وفي ظل تجاهل سافر لأوامر محكمة العدل الدولية بوقف هذه الجرائم.