أصدر جيش الاحتلال، صباح الاثنين، إنذارات عاجلة لسكان بلدتي عبسان وبني سهيلا شرق مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، تطالبهم بالإخلاء الفوري، في إطار ما وصفه المتحدث العسكري بـ”توسيع العمليات البرية في أنحاء القطاع”.
ويأتي هذا التهديد عقب قصف مكثف استهدف المنطقة منذ فجر اليوم، أدى إلى مقتل وإصابة عشرات المدنيين، بينهم نازحون كانوا يقيمون في خيام مؤقتة.
ويتزامن هذا التصعيد مع ما وصفته جهات أممية بأنه “كارثة إنسانية غير مسبوقة” في ظل تواصل الحصار، وانهيار كامل للخدمات الطبية والإنسانية، وتحوّل قطاع غزة إلى ساحة مكشوفة للقتل والتدمير الممنهج، في ما يُعد تنفيذًا واضحًا لجريمة الإبادة الجماعية.
وبحسب وزارة الصحة في غزة؛ استهدف القصف الإسرائيلي العنيف منازل سكنية وخيامًا للنازحين في مدينة خان يونس، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن عشرات المدنيين، معظمهم من النساء والأطفال. كما أُصيب العشرات بجراح، في وقت تتعذر فيه إمكانية وصولهم إلى الرعاية الطبية بسبب تضرر المستشفيات، ونقص الإمكانيات، وانعدام الممرات الآمنة.
وفي واقعة توثق الاستهداف المباشر للمرافق الصحية، قصف الاحتلال مستودع المحاليل والمهمات الطبية في مستشفى ناصر، مما أدى إلى تدمير المخزون الطبي الحيوي داخله، وفق صور نشرتها وزارة الصحة وأكدت صحتها.
ورغم مطالبة الاحتلال للمدنيين بالتوجه إلى منطقة المواصي غرب خان يونس، باعتبارها “منطقة إنسانية آمنة”، تواصلت الغارات الجوية والقصف المدفعي على المنطقة، مخلفة قتلى وجرحى بين النازحين الذين احتموا بخيام متهالكة، دون توفر أي من مقومات الحماية.
ويعكس هذا التضارب في الخطاب والممارسة سياسة ممنهجة لا تميز بين الأهداف العسكرية والمدنية، بل وتوظف ما يسمى بـ”الممرات الآمنة” كأداة لنقل المدنيين إلى مناطق يُستكمل فيها استهدافهم.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يواجه الفلسطينيون في قطاع غزة حربًا شاملة تستهدف وجودهم المادي والجغرافي، أدت حتى الآن إلى سقوط أكثر من 174 ألف قتيل وجريح، بينهم نسب مرتفعة من الأطفال والنساء، إلى جانب أكثر من 11 ألف مفقود، وتهجير جماعي قسري لما يفوق مليون ونصف إنسان.
وبينما تدعو الأمم المتحدة باستمرار إلى وقف إطلاق النار وضمان حماية المدنيين، يُصرّ الاحتلال على توسيع عملياته، دون احترام لمبادئ القانون الدولي الإنساني، وعلى رأسها مبدأ التناسب، وحظر التهجير القسري، وواجب حماية السكان المدنيين في أوقات النزاع.
إن ما يجري في غزة يتجاوز توصيف “الانتهاك”، ليرتقي إلى جريمة إبادة جماعية مستمرة، تُرتكب بغطاء سياسي ودعم عسكري خارجي، في ظل تقاعس المجتمع الدولي عن اتخاذ خطوات ملزمة لوقف العدوان، وفرض المساءلة والمحاسبة.
وفي مواجهة هذا الانهيار الشامل في حماية حقوق الإنسان، يتطلب الموقف تحركًا عاجلًا من المنظمات الدولية، والأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقيات جنيف، لوضع حد للانتهاكات الجسيمة في غزة، والعمل على رفع الحصار، وفتح تحقيقات دولية مستقلة في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بما فيها القتل العمد للمدنيين، التهجير القسري، واستهداف البنية التحتية المدنية والطبية.