في واحدة من أبشع صور الانهيار الإنساني في العصر الحديث؛ يفارق الفلسطينيون في غزة الحياة ليس فقط بفعل القصف، بل بسبب الجوع وسوء التغذية، في ظل حصار خانق وحرمان متعمد من الغذاء والدواء، وسط صمت دولي مريب.
وفي هذا السياق؛ أعلنت مصادر طبية في مجمع ناصر الطبي في خان يونس، اليوم الخميس، وفاة الشاب عادل ماضي (27 عاماً) من مدينة رفح جنوبي قطاع غزة نتيجة سوء التغذية الحاد والمجاعة التي تضرب القطاع منذ شهور.
وتأتي هذه الوفاة بعد إعلان مماثل يوم أمس عن وفاة 7 مواطنين آخرين للأسباب ذاتها خلال 24 ساعة فقط، ما يرفع عدد من لقوا حتفهم بسبب الجوع إلى 154 شخصًا، بينهم 89 طفلًا.
ويشهد القطاع المحاصر منذ سنوات، تشديدًا غير مسبوق على دخول المساعدات الإنسانية، بعد أن أغلق الاحتلال جميع المعابر المؤدية إلى غزة في 2 آذار/مارس 2025، مانعًا إدخال الغذاء والدواء والمياه النظيفة، في سياسة ترقى إلى العقاب الجماعي والاستهداف الممنهج للمدنيين.
ولم تعد المجاعة في غزة خطرًا قادمًا، بل واقع قاتل، إذ تنتشر بين الأطفال مظاهر الهزال الشديد، ويتعرض السكان لحالات من الانهيار الصحي وفقدان الوزن الحاد، مع تضاؤل فرص تلقي الرعاية الطبية.
ويدفع الأطفال بشكل خاص الثمن الأكبر، إذ يعاني نحو 1 من كل 5 أطفال دون سن الخامسة في مدينة غزة من سوء تغذية حاد، بحسب بيانات طبية محلية.
ويتجاوز ما يحدث في غزة حدود الأزمة الإنسانية إلى جرائم قتل بالبطيء، حيث تُستخدم المجاعة سلاحًا لإخضاع السكان المدنيين وإجبارهم على الاستسلام، فالتجويع المتعمد وعرقلة المساعدات الإنسانية أداة واضحة من أدوات الحرب ضد السكان المحاصرين، وهو فعل مجرم في القانون الدولي وموصوف صراحة كجريمة حرب، بل جريمة ضد الإنسانية.
وفي خلفية هذه الكارثة؛ تتواصل الحرب التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، والتي أسفرت حتى الآن عن مقتل 60,239 فلسطينيًا، وإصابة 146,894 آخرين، في واحدة من أكثر حملات الإبادة الجماعية دموية في التاريخ المعاصر.
وأمام هذه الوقائع؛ لم تعد الأرقام مجرد بيانات إحصائية، بل نذير انهيار شامل لنظام العدالة الدولية، وفشل أخلاقي متواصل في وقف جرائم لا تنتهي. الصمت، في هذه اللحظة، ليس حيادًا، بل تواطؤ مع الجريمة.