يواصل الاحتلال الإسرائيلي سياساته الممنهجة في تقويض مقومات الحياة في قطاع غزة، لا سيما عبر استهداف القطاع الصحي المحاصر منذ شهور.
وفي ظل الحصار الخانق المستمر منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وتدمير واسع للبنية التحتية الصحية؛ تقف المستشفيات اليوم على حافة الانهيار الكامل، في واحدة من أخطر الأزمات الصحية التي يشهدها القطاع، تهدد حياة آلاف الجرحى والمرضى، وتشكّل امتداداً مباشراً لسياسة الإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال ضد سكان القطاع المحاصر.
وقالت وزارة الصحة في قطاع غزة، إن الوقود المتوفر حالياً في مستشفيات القطاع لا يكفي سوى لثلاثة أيام فقط، محذّرة من أن استمرار منع الاحتلال دخول إمدادات الوقود “يهدد بتوقف هذه المستشفيات عن العمل بالكامل”.
وأوضحت الوزارة في بيان أن “الاحتلال الإسرائيلي يمنع المؤسسات الدولية والأممية من الوصول إلى أماكن تخزين الوقود المخصص للمستشفيات، بحجة أنها تقع في مناطق حمراء”، ما يضاعف من خطر توقف الخدمات الصحية في مستشفيات تعتمد بشكل أساسي على المولدات الكهربائية لتشغيل الأقسام الحيوية، بما فيها غرف العمليات والعناية المركزة وحضانات الأطفال.
ولا يُعد هذا الوضع حالة طارئة عابرة، بل هو نتيجة مباشرة لسياسة الحصار والتجويع الشامل التي يفرضها الاحتلال على قطاع غزة، ويستهدف من خلالها المدنيين والبنية التحتية المدنية على نحو منهجي.
ولا يمكن تبرير منع إدخال الوقود إلى المستشفيات تحت أي ظرف، وخاصة أنه يمثل خرقاً فاضحاً للمادة 18 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تنصّ على ضرورة حماية المرافق الصحية من أي أذى وضمان توفير الدعم الإنساني لها.
كما أن تعمّد عرقلة إيصال الوقود، في ظل علم الاحتلال الكامل بحجم الاعتماد الكلي للمستشفيات عليه لتشغيل أجهزتها، يُعد شكلاً من أشكال القتل البطيء ويقع ضمن أفعال الإبادة الجماعية التي تنص عليها اتفاقية منع جريمة الإبادة لعام 1948، والتي تشمل من بين صورها “إلحاق الأذى الجسدي أو العقلي الخطير بأعضاء جماعة ما” أو “فرض ظروف معيشية يقصد بها تدميرها كلياً أو جزئياً”.
وتأتي هذه الأزمة الصحية في وقت يتعرض فيه القطاع يومياً لغارات وقصف مكثف من قبل جيش الاحتلال، ما يسفر عن مقتل وإصابة مئات الفلسطينيين، في ظل عجز متزايد للمرافق الطبية عن تقديم الرعاية اللازمة.
إن تعمّد خنق النظام الصحي في هذا السياق لا يمكن فهمه إلا كجزء من سياسة ممنهجة تستهدف إنهاء الوجود الفلسطيني في القطاع عبر أدوات القتل الجماعي، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة.
وفي ظل هذه الوقائع؛ يصبح الصمت الدولي تواطؤاً مكشوفاً، ويزيد من خطورة الانزلاق نحو مجازر أوسع تطال المرضى والجرحى الذين لا يملكون مكاناً آخر للعلاج أو النجاة.