يعاني قطاع غزة من كارثة إنسانية غير مسبوقة، حيث يُحاصر قرابة مليونين من السكان في مساحة صغيرة من الأرض، محرومين من أبسط مقومات الحياة، تحت وابل من القصف والجوع والتشريد.
فمنذ أسابيع؛ يعيش المدنيون في ظروف قسرية مأساوية، تفاقمت مع استمرار حرب الإبادة ومنع دخول أي مساعدات إنسانية، وسط صمت دولي مطبق، وعجز كامل عن وقف ما يُعد من أخطر أشكال الانتهاك الجماعي لحقوق الإنسان في العصر الحديث.
ومع تصاعد عمليات التهجير القسري وقطع الإمدادات وغياب الممرات الآمنة، تتكشف ملامح جريمة إبادة جماعية ممنهجة، تستهدف الوجود المدني الفلسطيني في غزة على نحو لم يعد يُمكن تجاهله أو الالتفاف عليه.
وفي هذا السياق؛ قالت قالت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، مساء الخميس، إن قطاع غزة لم يتلقَّ أي مساعدات إنسانية منذ الثاني من آذار/مارس الماضي، في واحدة من أطول فترات الحصار الإنساني منذ بدء حرب الإبادة.
وأوضحت الوكالة أن هذه الفترة، التي تجاوزت ستة أسابيع، تمثل ثلاث مرات أطول من فترات الانقطاع السابقة، في ظل استمرار القصف ومنع الإمدادات، ما جعل القطاع على شفا كارثة غير مسبوقة.
وأكدت الأونروا أن نحو 69% من قطاع غزة يخضع حالياً لأوامر تهجير قسري أصدرها جيش الاحتلال، بواقع أكثر من 20 أمراً عسكرياً، في وقت تشير فيه التقديرات الأممية إلى أن 420 ألف شخص نزحوا مجدداً خلال الأيام الماضية فقط، منذ استئناف القصف في مطلع نيسان الجاري.
وبذلك يرتفع عدد النازحين قسراً منذ بداية العدوان إلى أكثر من 1.9 مليون فلسطيني، يعيشون في ظروف من التشريد المزمن، بلا مأوى أو حماية أو مقومات للحياة.
وفي هذا الإطار؛ حذرت الوكالة من أن استئناف الهجمات ومنع دخول المساعدات يعطّل قدرة الجهات الإنسانية على تلبية أبسط احتياجات السكان من الغذاء والماء والصرف الصحي والرعاية الطبية، بينما تتعرض مناطق واسعة في القطاع لحصار مزدوج من النار والجوع.
ويؤثر هذا الانقطاع الكارثي في المساعدات على النازحين الذين تجمعوا في مناطق لا تصلها أي مواد إغاثية، وسط انهيار كامل للبنية التحتية وغياب الأمن.
إن ما يجري في غزة لم يعد مجرد أزمة إنسانية أو خروقات متكررة للقانون الدولي الإنساني، بل يمثل ممارسات منهجية ترقى إلى جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948. فحين يُمنع الغذاء والماء والدواء، وتُقصف أماكن اللجوء والمستشفيات والمنازل، ويتم تهجير السكان قسراً من منطقة إلى أخرى دون ضمانات، فإن هذا السلوك لا يمكن وصفه إلا بأنه عملية متعمدة تستهدف تدمير جماعة وطنية بأكملها من خلال إخضاعها لظروف معيشية قاتلة.
إن القانون الدولي لا يترك مجالاً للغموض حين يتعلق الأمر بالإبادة، فإخضاع السكان للجوع القاتل، ومنع المساعدات الإنسانية، وتهجيرهم مراراً وتكراراً تحت النار، تمثل ممارسات محظورة بشكل صريح، وتشكل جرائم ضد الإنسانية، لا تسقط بالتقادم ولا تبرَّر بأي ذريعة أمنية أو عسكرية.
إن المجتمع الدولي، وعلى رأسه الأمم المتحدة، يتحمل مسؤولية قانونية وأخلاقية مباشرة عن استمرار هذه الجريمة، فالصمت المتكرر، وعدم التحرك الفوري لفتح ممرات إنسانية دائمة، وتفعيل آليات المحاسبة، والسماح بمواصلة العدوان بلا قيد، يُعد تواطؤاً فعلياً مع جريمة إبادة لا تخفى على أحد. كما أن الدول الأطراف في اتفاقية جنيف، وأعضاء المحكمة الجنائية الدولية، مطالبون الآن بتحمل واجباتهم في حماية المدنيين ووقف الجرائم، لا الاكتفاء بإصدار بيانات التعبير عن القلق.
ولا يهدد السكوت عن هذه المأساة حياة المدنيين فحسب، بل ينسف الأساس الذي قامت عليه منظومة القانون الدولي المعاصر، ويؤسس لسابقة مفزعة في إمكانية ارتكاب إبادة جماعية في القرن الحادي والعشرين دون محاسبة أو ردع.