في اليوم الـ650 من حرب الإبادة الجماعية؛ تتكشف أبعاد الكارثة الإنسانية المتواصلة في قطاع غزة، حيث تخطّت حصيلة القتلى والمفقودين منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 نحو 67 ألفاً و880 فلسطينياً، وفق إحصائية جديدة صدرت عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.
وأدى العدوان العسكري المستمر الذي تجاوزت فيه كمية المتفجرات المستخدمة 125 ألف طن، إلى تدمير ما يزيد عن 88% من مساحة قطاع غزة البالغة نحو 360 كيلومتراً مربعاً، وهي نسبة غير مسبوقة في الصراعات الحديثة من حيث كثافة النيران وحجم التدمير الممنهج.
وفي الوقت ذاته؛ بات الاحتلال يسيطر فعلياً على أكثر من 77% من مساحة القطاع، في واحدة من أبشع صور التهجير القسري الجماعي الذي طال ما لا يقل عن مليوني مدني، أُجبروا على مغادرة منازلهم دون أي ضمانات للحماية أو العودة.
ومن بين الضحايا الذين سقطوا، قُتل أكثر من 19 ألف طفل، و12 ألفاً و500 امرأة، من ضمنهم 8150 أماً و953 رضيعاً. ولا تندرج هذه الأرقام ضمن حسابات العمليات الحربية التقليدية، بل تكشف عن استهداف مباشر أو متعمد للسكان المدنيين، لا سيما الفئات الأضعف.
وتؤكد معطيات أخرى أن نحو 68 طفلاً توفوا نتيجة سوء التغذية، و17 آخرين قضوا من البرد في مخيمات النزوح، في ظل غياب المساعدات الإنسانية ومنع وصولها المنهجي من قبل الاحتلال.
وحتى اليوم؛ ما يزال قرابة 9500 فلسطيني تحت الأنقاض، معظمهم يُفترض أنهم لقوا حتفهم ولم تُستخرج جثامينهم، ما يزيد من مأساوية الأوضاع الإنسانية ويؤكد استخدام الحصار والتجويع والدمار كأدوات لحرب إبادة ضد سكان القطاع.
وتجاوز العدوان العسكري كل المعايير الأخلاقية والإنسانية المتعارف عليها، مع استهداف واسع للكوادر الطبية والفرق الإنسانية والإعلامية. فقد قُتل 1590 من أفراد الطواقم الطبية، و228 صحفياً، و777 عنصراً من فرق تأمين المساعدات.
كما دُمّر بالكامل 38 مستشفى و96 مركز رعاية، فيما تم استهداف 144 سيارة إسعاف، الأمر الذي أخرج القطاع الصحي من الخدمة، وجعل عشرات الآلاف من المصابين بلا علاج أو إسعاف أولي.
ووفق الأرقام ذاتها؛ سرق الاحتلال 2420 جثماناً من المقابر، وأقام 7 مقابر جماعية داخل المستشفيات خلال الأشهر الماضية، في انتهاك فج للكرامة الإنسانية ولقواعد القانون الإنساني التي تحمي الموتى من التمثيل أو الاحتجاز.
وفيما يتعلق بالبنية التعليمية والدينية، فقد تم تدمير 156 مؤسسة تعليمية بشكل كلي، و382 جزئياً، بالإضافة إلى تدمير 833 مسجداً و3 كنائس و40 مقبرة، في محاولة ممنهجة لمحو البنية المجتمعية والثقافية للقطاع.
وباتت سياسة التجويع التي اعتمدها الاحتلال منذ شهور، تُترجم بأرقام مأساوية؛ فقد سُجلت وفاة 877 مدنياً خلال محاولتهم الوصول إلى مراكز توزيع المساعدات، إضافة إلى إصابة أكثر من 5600 آخرين.
ويمنع الاحتلال دخول عشرات الآلاف من الشاحنات الإغاثية منذ أكثر من 139 يوماً، ما تسبب في أزمة غذاء وماء حادة، وانتشار واسع للأمراض المعدية، منها 71 ألف حالة كبد وبائي، مع تسجيل أكثر من مليوني إصابة بأمراض ناتجة عن التهجير الجماعي.
وبدوره؛ انهار القطاع الزراعي بشكل كامل تقريباً، حيث قُدّرت خسائره بـ2.2 مليار دولار بعد تدمير 92% من الأراضي الزراعية، فيما لحقت أضرار بالغة بشبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي.
إن ما يجري في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول ليس حملة عسكرية عابرة، بل حرب إبادة جماعية بالمعنى القانوني والسياسي، حيث تُستهدف فئات محمية بموجب القانون الدولي (الأطفال، النساء، المدنيون، الكوادر الطبية) بشكل مباشر ومنهجي. الأساليب المتبعة تتنوع بين القتل الجماعي، والتجويع القسري، والتدمير المتعمد للبنى التحتية، والتهجير القسري، واحتجاز الجثامين، وكلها ترتقي إلى جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة وفق اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948.
وفي ظل دعم دولي غير مشروط، لا سيما من الولايات المتحدة، يواصل الاحتلال انتهاكاته دون أي مساءلة حقيقية، ضارباً بعرض الحائط كل قرارات محكمة العدل الدولية والنداءات الأممية، ما يجعل من استمرار الإبادة في غزة وصمة عار جماعية على جبين النظام الدولي القائم.