في مشهد متكرر بات مألوفاً، لكن لا يقل فظاعة، يواصل الاحتلال الإسرائيلي ارتكاب مجازر يومية بحق المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، في إطار حرب إبادة جماعية متواصلة، تشمل القتل والتجويع والتدمير الشامل والتهجير القسري، وسط عجزٍ دولي مطبق، وتواطؤ ضمني من بعض القوى الكبرى.
ومنذ فجر الاثنين، قتل ما لا يقل عن 41 فلسطينياً وأصيب عشرات آخرون جراء غارات جوية متزامنة شنّها جيش الاحتلال على أنحاء متفرقة من قطاع غزة، وفق مصادر طبية وشهود عيان.
وفي جنوب ووسط القطاع؛ أفادت المصادر بوقوع ما لا يقل عن 19 قتيلاً ومفقودين لا يزالون تحت الأنقاض، بعد قصف جوي استهدف منازل سكنية مكتظة بالنازحين.
كما قُتل 10 آخرون وأصيب أكثر من 30 شخصاً، حين استهدفت غارة منزلاً قرب محطة العطار في مواصي خان يونس، ما ألحق أضراراً واسعة في الخيام المجاورة التي تؤوي نازحين هاربين أصلاً من جحيم الحرب.
وفي الحي الياباني غرب خان يونس، دمّر القصف منزل عائلة نوفل، ما أدى إلى مقتل خمسة على الأقل، ودفن آخرين من سكان الخيام المجاورة تحت الرمال. أما في الشجاعية وشرق خان يونس، فقد نفّذت قوات الاحتلال عمليات قصف ونسف ممنهجة لعدد من المباني، في سياسة تبدو وكأنها تستهدف محو الأحياء بالكامل.
وفي مشهد يجسد فداحة الجرائم، استقبل مستشفى شهداء الأقصى جثامين أب وزوجته وابنته إثر قصف منزل عائلة عابد في مخيم المغازي وسط القطاع. كما قتلت امرأة وأصيب آخرون في قصف على منزل لعائلة أبو السبح في دير البلح.
ورغم إعلان جيش الاحتلال تعليقاً “تكتيكياً” لبعض أنشطته العسكرية في مناطق محدودة للسماح بمرور مساعدات، إلا أن الوقائع على الأرض تشير إلى استمرار استخدام التجويع كسلاح ممنهج ضد سكان غزة، مع استمرار إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات الحيوية، وخاصة الغذائية والطبية، بشكل كافٍ أو منتظم.
وقد وصف مراقبون دوليون هذا “التعليق التكتيكي” بأنه مجرد تضليل لتسويق وهم الإغاثة، فيما يستمر الحصار الخانق والمجاعة المميتة التي أزهقت حتى صباح الأحد أرواح 133 فلسطينياً، بينهم 87 طفلاً، وفق بيانات وزارة الصحة في غزة.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قتل وأصيب أكثر من 204 آلاف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، وفق الإحصاءات المحلية. كما سُجل ما يزيد عن 9 آلاف مفقود تحت الأنقاض، إضافة إلى مئات آلاف النازحين الذين باتوا بلا مأوى، في ظل تدمير أكثر من 70% من البنية التحتية للقطاع.
إن ما يجري في غزة لا يمكن تصنيفه إلا كجريمة إبادة جماعية، وفقاً للمعايير القانونية الدولية، لا سيما مع توافر النية المعلنة لتدمير جماعة قومية بالكامل، عبر استهداف المدنيين بشكل مباشر، وإفقار شروط الحياة الأساسية، ومنع الغذاء والدواء والمأوى.
ورغم قرارات أممية وأوامر صادرة عن محكمة العدل الدولية بوقف هذه الحرب، يواصل الاحتلال تجاهلها علناً، مدعوماً بصمت دولي مريب، ما يجعل المجتمع الدولي شريكاً بالصمت أو التقصير، في هذه الإبادة الجماعية المستمرة ضد شعب أعزل، لا يملك من أدوات الحياة سوى مقاومته للزوال.