في ظل الهجوم البري المتواصل على مدينة غزة وتعمّق عمليات التدمير والتهجير؛ يعيش مئات الآلاف من الفلسطينيين أوضاعًا إنسانية كارثية، حيث يفتقر النازحون جنوب القطاع إلى المأوى والمقومات الأساسية للحياة.
وتختصر مشاهد العائلات المفترشة للأرض في العراء حجم الكارثة الإنسانية التي صنعتها آلة الحرب الإسرائيلية، والتي ترتقي إلى مستوى الإبادة الجماعية بحق السكان المدنيين.
وفي هذا السياق؛ أكد جهاز الدفاع المدني الفلسطيني أن مئات العائلات التي فرت قسرًا من شمال غزة إلى جنوبها تفترش الأرض منذ أيام في ظروف مأساوية، لعجزها عن توفير مأوى ولو مؤقتًا بسبب فقرها المدقع.
وأوضح أن الاحتلال يتحمل المسؤولية المباشرة عن هذه المأساة، التي تعرض النازحين لخطر الموت وسط انتهاكات صارخة للقانون الدولي الإنساني.
وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة؛ فقد اضطر أكثر من 335 ألف مواطن إلى مغادرة منازلهم في مدينة غزة تحت وطأة القصف العنيف، بينهم ما يزيد عن 60 ألفًا نزحوا خلال الأيام الثلاثة الأخيرة فقط. فيما يواصل نحو 900 ألف فلسطيني التشبث بحقهم في البقاء داخل المدينة، رافضين الانصياع لمخطط التهجير القسري، رغم ما يتعرضون له من قصف ممنهج وحصار خانق.
أما المناطق الجنوبية التي حددها الاحتلال كوجهة للنزوح؛ فهي بحسب البيانات الرسمية تفتقر بالكامل إلى المستشفيات والبنية التحتية والخدمات الضرورية من ماء وغذاء وكهرباء وتعليم، ما يجعل الحياة فيها شبه مستحيلة، وخاصة أن المساحة المخصصة كمناطق إيواء لا تتجاوز 12% من مساحة قطاع غزة، ويحاول الاحتلال حشر أكثر من 1.7 مليون إنسان داخلها، في سياسة توطّن معالم التهجير الجماعي الممنهج.
ويستحق ما يجري في غزة وصف “جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان” وفق مبادئ القانون الدولي، إذ يهدف عدوان الاحتلال الإسرائيلي إلى تدمير جماعة بشرية بأكملها عبر القتل والتجويع والحصار وحرمانها من مقومات البقاء، وهو ما تحظره اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948.
إضافة إلى ذلك؛ فإن النزوح القسري الجماعي، واستهداف المدنيين والمستشفيات والملاجئ، واستخدام التجويع كسلاح حرب، كلها أنماط موثقة تعكس سياسة متعمدة لا يمكن تبريرها تحت ذريعة “الدفاع عن النفس”.
وتشير الإحصاءات إلى أن العدوان، المدعوم أمريكيا، أسفر منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 عن 65,419 قتيلاً و167,160 مصابًا معظمهم من الأطفال والنساء، إلى جانب وفاة 442 شخصًا بينهم 147 طفلًا بسبب المجاعة. هذه الأرقام الصادمة تكشف حجم المأساة وتضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته القانونية والأخلاقية.
إن المشهد في غزة اليوم هو مشهد تهجير قسري يفرضه الاحتلال بالقوة المسلحة، ضمن سياسة عقاب جماعي ترتقي إلى إبادة جماعية. ومع استمرار تجاهل النداءات العاجلة لوقف الحرب؛ تتفاقم الكارثة يومًا بعد يوم، ليبقى المدنيون الفلسطينيون، المحاصرون والمحرومون من أبسط حقوقهم، في مواجهة حرب وجودية تهدد حقهم في الحياة.