قُتل 10 مدنيين فلسطينيين اليوم الإثنين، في غارة جوية شنّتها طائرات الاحتلال الإسرائيلي على مستودع لتوزيع المساعدات في حي الزيتون جنوب مدينة غزة، ما رفع عدد القتلى منذ فجر اليوم إلى 27، في تصعيد جديد يطاول أماكن توزيع الإغاثة التي تحوّلت في الأسابيع الأخيرة إلى أهداف متكررة للهجمات العسكرية.
وبحسب إفادات طبية؛ فإن الاستهداف المباشر لمخازن ومواقع توزيع المساعدات الإنسانية بات نمطاً متكرراً، حيث وثقت الأيام الماضية مقتل المئات خلال محاولاتهم الوصول إلى الطعام أو المياه.
ويأتي هذا القصف ضمن سياق أوسع من الاستهداف المنهجي للسكان المدنيين، في وقت تتسع فيه رقعة المجاعة، وتنهار فيه المنظومة الصحية والبنى التحتية داخل القطاع المحاصر.
ومنذ أواخر شهر مايو الماضي؛ تحوّلت نقاط توزيع المساعدات التي يشرف عليها الاحتلال مباشرة، إلى ساحات قتل جماعي، وسط اتهامات بأنها تُستخدم كوسيلة للتحكّم في حركة المدنيين والتضييق عليهم، بدل أن تكون ملاذاً آمناً لتلبية الاحتياجات الأساسية. وتشير تقارير حكومية إلى أن أكثر من 550 فلسطينياً قُتلوا في محيط تلك المواقع، إما بفعل القصف المباشر أو إطلاق النار خلال التجمعات العفوية الباحثة عن الغذاء.
ويشكل هذا النمط من الاستهداف الذي يشمل المدنيين العزّل أثناء انتظارهم المساعدات، تعارضا صارخا مع مبادئ القانون الدولي الإنساني، الذي يحظر تعريض السكان المحميين للجوع كأسلوب من أساليب الحرب، أو استهداف المرافق المخصصة للإغاثة.
كما أن فرض ظروف حياة تهدف إلى الإهلاك الجسدي أو النفسي الجماعي، وفق معايير اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948، قد يرقى إلى جريمة إبادة جماعية، خصوصاً حين يكون ذلك مصحوباً باستهداف متعمد وممنهج للبنية السكانية.
وقُتل منذ بداية الحرب في سبتمبر 2023، ما لا يقل عن 189 ألف فلسطيني، بين قتيل وجريح، غالبيتهم من النساء والأطفال. كما سُجّل فقدان أكثر من 11 ألف شخص، لا يزال مصيرهم مجهولاً تحت الأنقاض أو في ظروف غير معروفة، إلى جانب نزوح مئات الآلاف من السكان داخل قطاع لا يتجاوز 360 كيلومتراً مربعاً، ويعاني من دمار شبه شامل.
وتشهد غزة انهياراً كاملاً للمقومات الأساسية للحياة. فالمياه غير صالحة للشرب في أكثر من 95% من مناطق القطاع، وانقطعت إمدادات الكهرباء والوقود منذ شهور، فيما تُحرم المستشفيات من المعدات والأدوية في ظل عجز كامل في منظومة الطوارئ.
إن ما يحدث في غزة لم يعد يمكن وصفه بأنه صراع مسلح تقليدي، بل تجاوز ذلك إلى سياسات ممنهجة تهدف إلى تفريغ المنطقة من سكانها، وتحطيم بنيتها المجتمعية والنفسية والاقتصادية. فعمليات القصف لا تميّز بين الأحياء السكنية، والمدارس، والمستشفيات، أو حتى نقاط الإغاثة. والنتيجة هي تحويل غزة إلى منطقة غير صالحة للحياة، في خرق واضح وصريح لكل الأعراف والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية المدنيين.
ويمثل الهجوم على مستودع حي الزيتون جزءاً من سلسلة متواصلة من الجرائم، يُفترض أن توضع تحت مجهر المساءلة الدولية، فيما تستمر هذه الممارسات دون تدخل حاسم، ما يعكس عجزاً دولياً خطيراً، ويفتح الباب أمام مزيد من الجرائم، التي لم تعد تستهدف الأرض فقط، بل تُصمم لإبادة الحياة عليها بكل أشكالها.