في مجزرة جديدة تضاف إلى سجل الجرائم المستمرة بحق المدنيين في قطاع غزة، قُتل 19 فلسطينيًا، بينهم نساء وأطفال، وأُصيب العشرات بجروح متفاوتة، فجر الجمعة، أول أيام عيد الأضحى، جراء سلسلة غارات جوية وقصف مدفعي عنيف نفذته قوات الاحتلال الإسرائيلي على مناطق متفرقة من القطاع.
ووقعت الهجمات في وقت كان فيه السكان يحاولون، في ظل الحصار والقصف، التمسك بما تبقى من طقوس العيد، حيث استهدفت طائرات الاحتلال نقطة شحن للهواتف وسط خيام النازحين في خان يونس، ما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص، بينهم طفل، وإصابة آخرين. كما فتحت قوات الاحتلال النار على مدنيين في رفح أثناء انتظارهم المساعدات الغذائية، مما أدى إلى سقوط أربعة قتلى، بينهم امرأة، وإصابة العشرات.
وفي شمال القطاع، قصف الطيران الحربي الإسرائيلي منطقة جباليا البلد، متسببًا في مقتل تسعة مدنيين، بينهم أفراد من عائلة واحدة. كما طالت القذائف المدفعية حيّ التفاح شرق مدينة غزة، ما أدى إلى اندلاع حرائق واسعة في المباني السكنية، ونزوح عشرات العائلات من جديد.
وتأتي هذه الجرائم في سياق الحملة العسكرية المتواصلة التي يشنها الاحتلال منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي باتت تأخذ طابعًا ممنهجًا يرقى إلى جريمة إبادة جماعية، إذ تجاوز عدد الضحايا أكثر من 54,600 قتيل، و125,000 جريح، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، في ظل تدمير شبه كامل للبنية التحتية، وحرمان شامل من الغذاء والدواء والماء.
ويُعد استهداف النازحين ومحيط مراكز الإغاثة انتهاكًا صارخًا لأحكام القانون الدولي الإنساني، وعلى رأسها اتفاقيات جنيف التي تحظر الاعتداء على المدنيين والمنشآت الإنسانية. كما أن تكرار هذا النمط من القتل العشوائي والمتعمد يندرج في إطار الجرائم المركبة التي تجمع بين القتل الجماعي، واستهداف التجمعات السكانية، وانتهاك الحماية الخاصة التي يوفرها القانون الدولي للمرافق الإنسانية والمساعدات.
وفي هذا السياق، يُحمّل الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية مباشرة عن ارتكاب جريمة إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني، من خلال القتل المتعمد، وفرض ظروف معيشية تؤدي إلى الهلاك الجماعي، واستهداف المدنيين في أماكن نزوحهم أو انتظارهم للمساعدات.
ويوجب هذا الواقع الكارثي على المحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق رسمي وعاجل في جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية التي تُرتكب في غزة، وملاحقة المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين وفق مبدأ الولاية القضائية العالمية.
كما يوجب على الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف اتخاذ إجراءات ملموسة لوقف الاعتداءات، من خلال الضغط السياسي والاقتصادي على سلطات الاحتلال، وتفعيل أدوات المحاسبة الدولية.
ويفرض هذا الواقع على المجتمع الدولي بأسره، ولا سيما الدول الداعمة للاحتلال، مراجعة سياساتها فورًا ووقف كافة أشكال الدعم الذي يُستخدم في تمكين الجرائم، بما في ذلك صفقات التسليح والتعاون الاستخباراتي.
وفي ظل تصاعد المجازر، تبقى مسؤولية حماية المدنيين الفلسطينيين مسؤولية قانونية وأخلاقية تقع على عاتق العالم الحر، الذي لا يجوز له أن يكتفي بالصمت في مواجهة مشهد إبادة يُنفذ على مرأى ومسمع البشرية.