في اليوم 42 لجريمة الإبادة الجماعية لقطاع غزة تتواصل المآسي والأهوال التي يواجهها مئات الآلاف من المدنيين في قطاع غزة، والذين أجبروا على النزوح من منازلهم تحت وطأة القصف الإسرائيلي إلى جنوب القطاع أملا في النجاة من الموت المحقق على مسافة تجاوزت ال14 كيلو مترا سيرا على الأقدام لمدة تزيد على 10 ساعات لم يسلموا خلالها من مذابح الاحتلال التي استهدفت مسارهم الذي كان المفترض أن يكون آمنا، لتبدأ رحلتهم في التيه والشتات في المخيمات ومدارس الإيواء، يحاصرهم الجوع والعطش والافتقار لأبسط مقومات الحياة.
في إفادات تلقتها للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا يصف النازحون الذين نجحوا في الوصول إلى الجنوب الأهوال التي مروا بها في رحلتهم، إذ لم يتوقف القصف حولهم أو عليهم مباشرة، بالإضافة إلى نقاط التفتيش التي يشكلها جيش الاحتلال على طريق صلاح الدين، وقنص جنود الاحتلال لبعض النازحين بشكل عشوائي أثناء مرورهم عمدا، كما يتعرض بعضهم للاحتجاز بطريقة مهينة، فيجبروا على خلع ثيابهم بالكامل والمشي أمام ذويهم وباقي النازحين عراة ومن ثم يُقتادوا إلى مكان مجهول.
شهدت نقاط التفتيش التي أقامتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، حوادث إعدام ميداني بدم بارد كان أشهرها الحاج بشير حجي البالغ من العمر 74 عاما، الذي التقط له جنود الاحتلال صورا وهم يساعدونه بقطع الطريق ليروجوا عبر وسائل الاجتماعي لإنسانيتهم المزيفة قبل أن يقتلوه بدم بارد أمام من تبقى من عائلته التي كانت على طريق النزوح هي الأخرى.
بعيدا عن نقاط التفتيش، المشهد ليس أقل قتامة، إذ يمر النازحون بأشلاء الأطفال وجثث القتلى التي بدأت في التحلل، ورائحة التعفن والرصاص والفسفور الأبيض تملآن الجو، ليس هناك مجال للحديث عن احتياجات إنسانية على هذا الطريق، فلا ماء ولا طعام إلا ما قد يستطيع المتطوعون تقديمه بالقرب من الجنوب، كما يعاني المرضى وذوو الاحتياجات الخاصة معاناة مضاعفة، بعضهم اضطرت عائلاتهم لأخذ أفرادها المصابين على سرير العناية المركزة أو على كراسي متحركة، واضطر بعضهم لأخذ أطفالهم الخدج من الحضّانات دون أي رعاية.
ولا تبدو الخيام المكتظة ومدارس الإيواء أفضل حالا خاصة مع قدوم فصل الشتاء وافتقار النازحين للأغطية والفرش أو حتى الملابس التي تقيهم برد الشتاء في خيامهم، إذ تضم أكثر من مليون نازح، كما تستمر معاناة النازحين مع احتياجاتهم للنظافة الشخصية مهما اختلفت معطيات المكان شمالا أو جنوبا، و تستمر معاناة الحصول على ماء صالح للشراب أو طعام يبقيهم على قيد الحياة مهما حاولوا التغلب على الصعوبات بأساليب بدائية في ظل نقص الإمدادات الإنسانية واستمرار إغلاق معبر رفح وتحكم الاحتلال فيما يدخل من مساعدات ومن يحاول الخروج من مصابين لتلقي العلاج في مصر التي ترضخ سلطاتها للاحتلال ولتحكمه في معبر رفح بشكل كامل.
وفي اطار المجزرة التي تنفذ بحق المشافي يتعرض مجمع الشفاء الطبي ومن فيه لإبادة تحت مرأى ومسمع الجميع، فالمرضى الذين يعانون من السرطان والفشل الكلوي والجرحى والأطفال الخدج يتساقطون الواحد تلو الآخر ولا يشغل بال عصابات الاحتلال إلا إثبات ان المجمع يستخدم من قبل فصائل فلسطينية لأغراض عسكرية، فما روجوه في تسجيل يحوي وصفا لمقر سيطرة مفترض قبل أسابيع، يعملون الآن على إعداده لتبرير جريمتهم وما قاموا ببثه من صور وأفلام عما يدعون أنها أسلحة وجدوها في غرف أسفل المشفى يؤكد بما لا يدع مجال للشك أنها أدلة من صنع يد القاتل.
إن المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، وهي تتابع هذه الأهوال بشكل لحظي، تراقب عن كثب الخضوع والشلل الذي أصاب المجتمع الدولي ككل في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، والعجز العالمي الذي لم ينجح بعد كل تلك المجازر في الوصول إلى قرار بوقف إطلاق النار أو حتى إلى هدنة إنسانية، أو لجم مجازر الاحتلال الذي يمارس غطرسته مطمئنا فيما يبدو إلى قدرته على السيطرة على قرار الحكومات حول العالم.
الوضع الحالي هو خط لشهادة وفاة الشرعية الدولية والقانون الدولي الإنساني الذي أُهدرت قيمته من قبل الاحتلال والدول الداعمة له، وصار حبرا على ورق منعدم القيمة والتأثير، بما يشكل تهديدا جسيما للسلم والأمن الدوليين، فما قيمة تلك القوانين والمعاهدات لو لم تنجح حتى الآن من لجم غطرسة وإجرام الاحتلال الإسرائيلي وتوفير الحد الأدنى من الحماية للأطفال، والنساء، والمرضى والعجائز.
وتدعو المنظمة كافة شعوب العالم بالاستمرار في رفض جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق قطاع غزة، وسلوك كل المسارات للتعبير عن رفض الموقف المتخاذل لحكومات العالم، وخاصة الدول الراعية والداعمة للاحتلال وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، مشددة على ضرورة استمرار الاحتجاجات لتغيير الواقع السياسي المفروض وسحب الدعم الذي يتلقاه الاحتلال من قوى العالمية.