مع حلول عيد الفطر؛ صعّدت قوات الاحتلال الإسرائيلي من اعتداءاتها على مدينتي طولكرم وجنين ومخيميهما، ضمن عدوان عسكري متواصل يتسم بانتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، ويهدف إلى فرض واقع ديمغرافي جديد من خلال القتل والتهجير والتدمير الممنهج.
ولم تمنع قدسية عيد الفطر قوات الاحتلال من قمع الفلسطينيين، إذ أطلقت القنابل الغازية تجاه أهالي مخيم جنين خلال زيارتهم مقبرة الشهداء بعد صلاة العيد، ما أدى إلى إصابات بالاختناق، من بينهم الصحفية نور الفارس التي نُقلت إلى مستشفى ابن سينا لتلقي العلاج.
وفي ساعات الفجر؛ اقتحمت قوات الاحتلال بلدة رمانة غرب جنين، واعتقلت الشاب عمر أبو عصبة بعد محاصرة منزله، فيما عززت انتشارها العسكري في محيط مخيم جنين من خلال الدفع بآليات عسكرية ثقيلة وصهاريج مياه من حاجز الجلمة العسكري، وسط عمليات تجريف مستمرة تهدف إلى توسيع الطرقات لتسهيل اقتحام المخيم.
وعلى مدار 69 يوماً، يواصل الاحتلال تدمير البنية التحتية لمخيم جنين في انتهاك صريح لاتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر العقاب الجماعي والتشريد القسري للسكان. وحتى اللحظة؛ هُجّر أكثر من 21 ألف فلسطيني من المخيم، وتوزعوا على قرابة 39 بلدة وهيئة محلية، في ظل استهداف أكثر من 600 منزل بالتدمير الكامل أو الجزئي.
وأسفر العدوان عن مقتل 34 فلسطينياً، بينهم نساء وأطفال، إضافة إلى مئات الاعتقالات والمداهمات العنيفة التي تشمل تدمير الممتلكات ونهبها، ما يشكل جرائم ضد الإنسانية وفق القانون الدولي، وتستوجب تحقيقاً دولياً فورياً.
63 يوما من حصار طولكرم
ولليوم الـ63 على التوالي؛ يفرض الاحتلال حصاراً عسكرياً خانقاً على مدينة طولكرم ومخيمها، في حين يتواصل العدوان على مخيم نور شمس لليوم الـ50 وسط تعزيزات عسكرية مكثفة، وفرض إجراءات مشددة تعرقل حركة الفلسطينيين وتفاقم معاناتهم.
وخلال الساعات الماضية، اقتحمت قوات الاحتلال عدة أحياء في طولكرم، حيث نفذت عمليات مداهمة واعتقال، كان أبرزها اعتقال الشاب علاء الشلبي من ضاحية ارتاح بعد اقتحام منزله والاستيلاء على الهواتف النقالة لعائلته.
وفي مخيم نور شمس؛ أجبرت قوات الاحتلال العائلات على إخلاء منازلها في منطقة جبل الصالحين، وأمهلتهم حتى صباح العيد للمغادرة، بينما واصلت الجرافات الإسرائيلية عمليات التجريف والتخريب التي طالت منطقة دوار الشهيد سيف أبو لبدة وحارة المسلخ، مما أدى إلى مزيد من الدمار في البنية التحتية.
وأسفر العدوان المستمر على طولكرم عن مقتل 13 فلسطينياً، بينهم طفل وامرأتان، إحداهما حامل في شهرها الثامن، إضافة إلى إصابة واعتقال العشرات. كما أجبر الاحتلال أكثر من 4000 عائلة فلسطينية على النزوح القسري بعد تدمير منازلهم أو تحويلها إلى ثكنات عسكرية.
ووفقاً لإحصائيات محلية؛ فقد تعرض 396 منزلاً للهدم الكلي، و2573 منزلاً لأضرار جزئية في مخيمي طولكرم ونور شمس، إلى جانب تدمير المحال التجارية والمركبات ونهب الممتلكات الخاصة. كما فُرضت إغلاقات مشددة على مداخل المخيمين، في إطار سياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها سلطات الاحتلال.
ويندرج عدوان الاحتلال على جنين وطولكرم ضمن انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني، حيث تنص اتفاقية جنيف الرابعة على حماية المدنيين في أوقات الحرب، وتحظر جميع أشكال العقاب الجماعي، بما في ذلك التهجير القسري وتدمير الممتلكات دون ضرورة عسكرية مبررة.
كما تصنف المحكمة الجنائية الدولية التهجير القسري والتدمير المتعمد للبنية التحتية كجرائم حرب، وهو ما يفتح المجال أمام مساءلة الاحتلال قانونياً. ومع ذلك؛ فإن الصمت الدولي، والدعم الأمريكي المستمر للاحتلال، يعزز من إفلاتها من العقاب، رغم تصاعد الدعوات الحقوقية لمحاسبتها أمام المحافل الدولية.
في وقت يحتفل فيه العالم الإسلامي بعيد الفطر؛ يعيش الفلسطينيون في طولكرم وجنين تحت قصف مستمر واعتقالات وتهجير قسري، وسط مشاهد الدمار التي تحيط بهم. فلم تشهد شوارع المخيمات زينة العيد، ولم يتبادل الأطفال الهدايا، بل تحول العيد إلى يوم آخر من الحداد، حيث يقضي الأهالي ساعاتهم بين المقابر والمستشفيات ومراكز الإيواء، في ظل غياب كامل للعدالة الدولية.
إن استمرار العدوان الإسرائيلي بهذا الشكل الوحشي، إلى جانب الصمت الدولي والتقاعس عن فرض عقوبات، يجعل من الضروري تصعيد الجهود الحقوقية والسياسية لمحاكمة الاحتلال على جرائمه، وإنهاء الحصار المفروض على المدن والمخيمات الفلسطينية.