قالت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا أن العالم يقف شاهدًا صامتًا على واحدة من أكثر الفصول دمويةً ومهانةً في التاريخ الإنساني الحديث، في مأساة جماعية تتكشف أمام أعين الجميع في قطاع غزة، حيث يحرم النساء والأطفال والشيوخ والمرضى من الغذاء والدواء ومن يخاطر من الجوعى لإحضار الطعام من مراكز المساعدات ينكل به أو يُقتل.
وأضافت المنظمة أن المجاعة المفروضة على قطاع غزة اليوم ليست نتيجة لظروف طبيعية، بل هي سياسة متعمدة، ممنهجة، ومقصودة وفصل من فصول جريمة الإبادة الجماعية وإذلال شعب بأكمله.
وأوضحت المنظمة أنه في اليومين الماضيين، ارتفع عدد الوفيات الناجمة عن التجويع المقصود إلى 19 شخصًا، بينهم رضع وأطفال، وهؤلاء لم يكونوا ضحايا القصف فقط، بل ضحايا الحرمان من أدنى مقومات البقاء. فهم ينهارون من الإعياء الشديد في الشوارع، ثم يُنقلون إلى المستشفيات، حيث تُمارس فرق الطوارئ انتقاءً مروّعًا: تُفضّل الحالات التي يُتوقع نجاتها على حساب من تُركوا يواجهون مصيرهم بسبب نقص حاد في المحاليل والمغذيات الحيوية.
من بين ضحايا التجويع الطفلة رزان أبو زاهر، ذات الأربعة أعوام، والتي قضت نصف عمرها تحت الحصار الخانق، والنصف الآخر في ظل إبادة لا ترحم (لتسُجّل وفاتها بسبب سوء تغذية حاد في مستشفى الشفاء بغزة)، كما غيّب الموت الرضيع يحيى النجار، ذي الأربعة أشهر، الذي أُدخل إلى المستشفى في حالة الضعف الشديد، وأسلم الروح دون أن يجد ما يغذيه.
وذكرت المنظمة أن المجاعة وفقد الأمل دفع المواطنين وبشكل يائس إلى التوجه إلى مراكز المساعدات التابعة لما يُسمى بـ “مؤسسة غزة الإنسانية (GHF)” التي أوكل إليها الاحتلال، بدعم أمريكي مهمة توزيع المساعدات بدلًا من الأمم المتحدة ووكالاتها، والتي تدير أربع نقاط توزيع تتحول يوميًا إلى ساحات إعدام ميداني، في مشاهد متكررة يُطلق فيها الرصاص الحي على الجوعى المتكدسين في طوابير ضيقة أشبه بأنابيب خانقة تُحاصر من كل الجهات. هذا المشهد الدموي بات روتينًا يوميًا في مشاهد تحاكي وتفوق الدراما الخيالية السوداء “ألعاب الجياع” في أحلك تجارب القمع، وقد بلغ عدد الضحايا الذين قُتلوا أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء ما لا يقل عن 966 مدنيًا منذ 27 مايو، بينهم عشرات النساء والأطفال، منهم 91 قتيلاً خلال اليومين الماضيين فقط.
وبينت المنظمة أن فشل الأمم المتحدة في حماية النظام الإنساني، ورضوخها أمام إقصاء وكالاتها لصالح جهات متورطة في الانتهاكات، يمثل عارًا دوليًا مدويًا، ويُظهر مدى انحسار القيم الأخلاقية. أما الولايات المتحدة، فقد أظهرت في هذا الملف تبعية عمياء لا تتوقف عند الصمت، بل تعدت إلى التبرير والدعم المالي والعسكري والسياسي وتوفير الغطاء لكل ما تفعله إسرائيل على الأرض، بما في ذلك عسكرة توزيع الغذاء وقتل المحتاجين له.
وشددت المنظمة أن استمرار هذا الوضع دون مواجهة حقيقية من دول العالم، يعني أن المجتمع الدولي في أسوأ حالاته من العجز والخرس الأخلاقي، وأن كل البيانات الصادرة من المنظمات والهيئات، مهما بدت قوية اللفظ، فهي والعدم سواء، حيث لا تطعم الجوعى ولا تحمي من الرصاص.
ووجهت المنظمة نداءً مفتوحًا إلى شعوب العالم وبخاصة الجنوب العالمي، وإلى الدول التي لم تُشترَ مواقفها في سوق النفاق السياسي الدولي – من جنوب إفريقيا إلى أيرلندا وتشيلي والبرازيل – بأن لا تكتفي بالإدانة الأخلاقية، بل تتحرك بخطوات ملموسة على المستوى القانوني والدبلوماسي. إن ما يجري في غزة من تجويع جماعي وقتل ميداني أمام شاحنات المساعدات لا يُترك للمناشدات وحدها، بل يتطلّب إجراءات سيادية تبدأ بسحب السفراء، وتجميد العلاقات، وتكوين كيانات دولية فاعلة قادرة على كسر هذا الحصار وإنقاذ مئات الآلاف من الموت جوعا.
وناشدت المنظمة النقابات والاتحادات المهنية والطلابية والأكاديمية حول العالم لتعظيم الجهود والضغط على حكوماتهم لاتخاذ ما يلزم من إجراءات تؤدي إلى إدخال الغذاء والدواء بإشراف الأمم المتحدة دون أي شروط مسبقة.
ودعت المنظمة الشعوب العربية والإسلامية للضغط على المنظومة الرسمية التي تصمت صمت القبور على ما يحدث فلا مؤتمرات ولا حتى بيانات تندد بالحريمة المستمرة، فجريمة التجويع التي ترتكب تحتم التفكير بشكل استثنائي لمواجهة هذه الجريمة غير المسبوقة فيجب على الدول الأعضاء في الجمعية العامة عقد جلسة خاصة طارئة لا في نيويورك إنما على الحدود مع قطاع غزة في مدينة رفح المصرية لاتخاذ قرارات وتدابير فشل مجلس الأمن باتخاذها.