ما يتم في السجون من قتل بطيء يشكل جزءًا من ممارسة متعمدة وممنهجة من قبل حكومة عبد الفتاح السيسي لإسكات وسحق كل صوت معارض في البلاد
يجب فتح تحقيق فعال ومستقل ونزيه لمحاسبة المسؤولين عن حالات القتل داخل السجون
هناك حاجة ماسة للعمل الجماعي للأمم المتحدة والمجتمع الدولي لإنقاذ أرواح الآلاف من السجناء الذين هم في خطر كبير في السجون والمعتقلات المصرية
عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، مساء اليوم الخميس 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 ندوة بعنوان الموت البطيء في السجون المصرية، حول انتهاكات حقوق الإنسان في السجون والمعتقلات المصرية.
وضمت الندوة مجموعة من كبار الخبراء والمحامين في مجال حقوق الإنسان، والذين سلطوا الضوء أوضاع وظروف الاحتجاز داخل السجون المصرية، كما ناقشوا الإجراءات والخطوات اللازمة لإنقاذ الأشخاص الذين ما زالوا رهن الاعتقال وتحت رحمة السلطات المصرية.
المتحدثون في الندوة طالبوا بضرورة التدخل العاجل من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لإنقاذ الآلاف من المحتجزين الذين يعانون في ظروف لا تطاق في السجون المصرية؛ وقد أتى ذلك في أعقاب التقارير الأخيرة التي كشفت عن إحصاءات مثيرة للقلق حول أعداد الوفيات في السجون المصرية بسبب ظروف الاعتقال السيئة للغاية والاكتظاظ الشديد والافتقار إلى الرعاية الطبية والعلاج.
وكشف المتحدثون عن أن أكثر من 600 شخص قد لقوا حتفهم داخل السجون منذ عام 2013 نتيجة احتجازهم في بيئة ملوثة وكذلك بسبب الإهمال الطبي الجسيم والفشل التام في توفير الرعاية الصحية الأساسية حيث مات أكثر من مائة شخص جراء التعذيب وسوء المعاملة في السجن، الكثير منهم كانوا أشخاصاً محتجزين لمعارضتهم الحكومة أو نشطاء ومدافعين عن حقوق الإنسان وصحفيين، لتُظهر تلك الحقائق أن النظام يتبع سياسة واضحة ونمط ممنهج لقتل المعتقلين ببطء من خلال ظروف السجن القاسية والإهمال الطبي، هذا بالإضافة إلى إعدام آخرين عقب محاكمات ظالمة وجائرة افتقرت لأدنى معايير المحاكمة العادلة.
وأضاف المتحدثون أن آلاف المعتقلين الآخرين الذين يقبعون حالياً في السجون المصرية في خطر شديد أيضاً حيث توصلت لجنة من خبراء الأمم المتحدة مؤخرًا إلى أن وفاة الدكتور محمد مرسي بعد احتجازه لمدة 6 سنوات في “ظروف وحشية” في السجن في مصر يمكن أن ترقى إلى درجة القتل التعسفي، وحذرت من أن صحة وأرواح الكثير من المعتقلين مهددة بالخطر.
رودني ديكسون، وهو محامٍ متخصص في القانون الدولي لحقوق الإنسان قال في كلمته في الندوة: “تصبح الأمور غير قابلة للتغيير فقط عندما يبدأ الناس في الاعتقاد أن هذا هو الحال القائم – يجب ألا نسمح للسلطات المصرية أن تصدق أن معاملتهم المخزية للمحتجزين هي الأساس، وأنها يمكن أن تفلت من العقاب”.
وأضاف “هناك العديد من الأشخاص قد ماتوا والكثير منهم يتعرضون للخطر، دون أي رادع على الإطلاق، ويجب على الأمم المتحدة وجميع الدول التي تحترم الإنسانية وحقوق الإنسان أن تطلب مجتمعة حدوث تغيير عاجل لإنقاذ أرواح الذين يتعرضون للخطر والذين يعانون يومياً داخل السجون المصرية”.
هانا فيليبس- باحثة في المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا قالت: “إن نظام الرعاية الطبية في السجون المصرية في الوقت الحالي بعيد كل البعد عن المعايير القانونية الأساسية المنصوص عليها في القانون المحلي والدولي لمعاملة المعتقلين، فهناك سياسة واضحة للإهمال الطبي تجاه المعتقلين السياسيين تؤدي إلى وفاتهم، التي أصبحت الآن سياسة متعمدة للقتل البطيء”.
وأشارت الباحثة في كلمتها إلى إحدى الحالات التي تعاني من الإهمال الطبي داخل السجون المصرية، حيث قالت ” على سبيل المثال، المعتقل المصري جهاد الحداد، أوضحت والدته أنه يعاني من ظروف غير آدمية في زنزانة تأديبية داخل سجن العقرب، لا توجد نوافذ ولا إضاءة، لا يمكن تمييز الليل من النهار، كذلك تفتقر زنزانته إلى مرحاض، بالإضافة إلى حرمانه من أي تواصل مع العالم الخارجي، هذه الظروف اللاإنسانية المقترنة بالإهمال الطبي المتعمد ضد السجناء السياسيين تشكل انتهاكات واضحة للقانون الدولي، ويجب على المجتمع الدولي ممارسة الضغط على نظام السيسي لإنهاء سياسته المتمثلة في القتل البطيء”.
الدكتورة مها عزام، الناشطة المصرية البارزة وهي زميلة سابقة في معهد تشاثام هاوس، قالت في كلمتها “نحن نشهد تزايداً ملحوظاً من قبل النظام والأجهزة الأمنية في الانتهاكات ضد المواطنين المصريين الذين يحاولون التعبير عن آرائهم.
النظام يريد أن يضمن عدم كسر حاجز الخوف داخل نفوس المصريين، وأن عقوبة التحدث علنا يعاقب عليها بشدة إما من خلال الاحتجاز التعسفي أو التعذيب والاختفاء وحتى القتل”.
وتابعت عزام: “يعتقد النظام أن أي هامش للتسامح أو السماح بحرية التجمع أو التعبير سيهدد بقاءه وقد يساعد في إنهاء الديكتاتورية العسكرية، يجب على كل من يعتقد أنه لا يجوز تعذيب المعارضين المصريين حتى الموت ممارسة الضغط المباشر على نظام عبد الفتاح السيسي للامتثال لاتفاقية مناهضة التعذيب التي وقعت مصر عليها، وكذلك متابعة جميع القنوات القانونية التي من شانها إنهاء معاناة المعتقلين في السجون المصرية”.
وفي كلمتها قالت آن كولون- محامية أمريكية ومستشارة قانونية رئيسية سابقة لرئيس محكمة العدل الدولية، أن “الأرقام الواردة في تقارير الأمم المتحدة خطيرة للغاية، وقد وُجد أن الآلاف من المحتجزين في جميع أنحاء مصر معرضون لخطر الموت؛ لذلك يجب على الحكومة المصرية اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان احترام حقوق الإنسان في السجون المصرية”.
أنيت سو، نائبة مدير مشروع عقوبة الإعدام، أكدت “إن أكثر من 75٪ من دول العالم تدرك الآن أن عقوبة الإعدام هي عقوبة غير إنسانية ومهينة ولا تتفق مع الحق في الحياة، أما مصر فلا تظهر أي علامات في هذا الشأن، بل على العكس من ذلك، هناك زيادة كبيرة في عدد أحكام الإعدام المفروضة، من 402 على الأقل في عام 2017 إلى 717 على الأقل في عام 2018”
وتابعت “يجب على الدول التي لا زالت تعمل بعقوبة الإعدام أن تحترم جميع الحقوق المنصوص عليها دولياً للسجناء المحكوم عليهم، وأن تضمن سلامتهم البدنية والعقلية والنفسية، كذلك يجب ضمان مثولهم أمام محاكمات تتوفر فيها كامل معايير المحاكمات العادلة، كما يجب احترام قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة المعتقلين، وإلا يصبح هذا الإعدام تعسفيًا ووحشيًا”.
أما شون ريفز، المحامية والخبيرة في قانون حقوق الإنسان فقد دعت في مداخلتها إلى إجراء تحقيقات فورية دون تأخير فيما يخص الأوضاع في السجون المصرية كما أكدت أنه لم يعد بالإمكان تجاهل انتهاكات السلطات المصرية لأبسط معايير السجون على المستويين المحلي والدولي.