شهد المسجد الأقصى صباح اليوم الاثنين، اقتحاماً واسعاً من قبل مئات المستوطنين الإسرائيليين تحت حماية مشددة من شرطة الاحتلال، وذلك بالتزامن مع ما يسمى “عيد الأسابيع” اليهودي، في انتهاك صارخ لحرمة المكان المقدس ولحقوق المسلمين في ممارسة شعائرهم بحرية.
وبحسب دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس؛ فإن أكثر من 800 مستوطن اقتحموا باحات المسجد منذ ساعات الصباح، في مجموعات متفرقة دخلت من باب المغاربة الذي تسيطر عليه سلطات الاحتلال منذ احتلال المدينة عام 1967، وسط تعزيز أمني كثيف وانتشار واسع لقوات الاحتلال داخل الحرم الشريف.
وتأتي هذه الاقتحامات في سياق سياسة منهجية تستهدف المسجد الأقصى كجزء من مخطط تهويدي يسعى لتغيير الوضع التاريخي والقانوني القائم للمكان، ويطمس هويته الإسلامية، ويفرض واقعاً جديداً بالقوة العسكرية، في خرق صارخ للقانون الدولي الذي يحظر تغيير طابع الأراضي المحتلة.
وأفاد شهود عيان بأن شرطة الاحتلال أغلقت أجزاء من المسجد أمام المصلين المسلمين، لتأمين تحركات المستوطنين، في خطوة تنطوي على تمييز ديني فج، وتعدٍّ مباشر على حرية العبادة، التي تكفلها كافة الأعراف والمواثيق الحقوقية الدولية.
وتعد اقتحامات المسجد الأقصى، والتي تكثف خلال الأعياد والمناسبات الدينية اليهودية، أداة من أدوات السيطرة التدريجية على الحرم القدسي، ومحاولة لفرض تقسيم زماني ومكاني، في انتهاك فاضح للوضع القانوني المعترف به دولياً والذي يعتبر المسجد الأقصى وقفاً إسلامياً خالصاً.
ومنذ عام 2003، تسمح شرطة الاحتلال، بشكل أحادي، للمستوطنين باقتحام المسجد، بينما تمنع المسلمين من ممارسة شعائرهم بحرية، ما يُعد إخلالاً جسيماً بمبدأ حماية الأماكن المقدسة تحت الاحتلال، ويضع سلطات الاحتلال في مواجهة التزاماتها القانونية كقوة قائمة بالاحتلال، التي يفترض أن تحمي الوضع الديني القائم لا أن تفرض سياسات تهويدية عليه.
وتتزامن هذه الاقتحامات مع حملة متصاعدة من الانتهاكات التي ترتكبها قوات الاحتلال والمستوطنون في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، والتي أسفرت حتى الآن عن مقتل 972 فلسطينياً، وإصابة نحو 7 آلاف، واعتقال أكثر من 17 ألف آخرين، في إطار سياسة قمعية واسعة النطاق، تهدف إلى كسر إرادة الفلسطينيين وترسيخ السيطرة الاحتلالية.
ويتمسك الفلسطينيون بحقهم الثابت في القدس الشرقية عاصمةً لدولتهم المستقبلية، استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية التي تعتبر المدينة أرضاً محتلة منذ عام 1967، وترفض الاعتراف بضمها القسري الذي أقره الاحتلال عام 1980، في خطوة لم تحظَ بأي اعتراف دولي.
ويأتي هذا التصعيد المتواصل ضد القدس والمقدسات الإسلامية في ظل حرب إبادة جماعية مستمرة ينفذها الاحتلال في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أسفرت عن أكثر من 178 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى أكثر من 11 ألف مفقود، في سياق حملة تدمير شاملة تستهدف الوجود الفلسطيني برمته، جغرافياً وديموغرافياً وثقافياً.
إن تكرار هذه الاعتداءات على المسجد الأقصى، إلى جانب الجرائم المستمرة في غزة والضفة الغربية، يؤكد أن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني ليس مجرد “صراع” تقليدي، بل منظومة اضطهاد منظم وتطهير جماعي يندرج تحت تعريف الجرائم ضد الإنسانية، ويستدعي تحركاً عاجلاً وجاداً من المجتمع الدولي، ليس فقط لوقف الانتهاكات، بل لمحاسبة مرتكبيها ومنع إفلاتهم من العقاب.