على الرغم من الإعلان الرسمي عن دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، لا تزال فرق الإنقاذ في قطاع غزة تنتشل جثامين عشرات المدنيين من تحت الأنقاض، في مشهد يعيد التذكير بفداحة الجرائم التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي على مدى عامين من الحرب، والتي وثّقتها منظمات دولية وحقوقية بوصفها أعمال إبادة جماعية ممنهجة ضد السكان الفلسطينيين.
وأفادت مصادر طبية اليوم الجمعة، بأنها انتشلت جثامين 35 قتيلاً من مناطق مختلفة في القطاع، بينهم 19 في مدينة غزة، و9 آخرين في حي الصبرة جراء قصف استهدف منزلاً سكنياً. كما قُتل مواطن وأصيب آخرون بنيران قوات الاحتلال في حي الشيخ رضوان شمال المدينة.
وخرق الاحتلال اتفاق وقف النار عبر قصف مدفعي وجوي استهدف مدينة خان يونس وشرق غزة فجر اليوم، بالتزامن مع تحليق طائرات مسيّرة ومروحية في أجواء المدينتين.
وكانت حكومة الاحتلال قد صادقت الليلة الماضية على اتفاق لوقف إطلاق النار، بناءً على مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، الذي يتضمن انسحاب قوات الاحتلال من القطاع، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، وبدء عملية تبادل الأسرى، في إطار ما وُصف بالمرحلة الأولى من خطة “السلام في الشرق الأوسط”.
غير أن مشاهد الدمار والضحايا التي أعقبت وقف النار، وفق مراقبين حقوقيين، تؤكد أن ما ارتُكب في غزة لا يمكن اختزاله في “صراع مسلح”، بل يرقى إلى جريمة إبادة جماعية بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948، التي تجرّم أي فعل يستهدف تدمير جماعة قومية أو إثنية “كلياً أو جزئياً”.
وخلال الحرب التي بدأت في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، نفذت قوات الاحتلال حملة عسكرية غير مسبوقة أدت إلى مقتل أكثر من 67 ألف فلسطيني، وإصابة نحو 170 ألفاً آخرين، معظمهم من النساء والأطفال، وسط حصار خانق ومجاعة أودت بحياة 460 مدنياً، بينهم 154 طفلاً، وفق بيانات رسمية فلسطينية وتقارير أممية.
وأكدت تقارير مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان ولجان التحقيق المستقلة، أن النمط المتكرر في استهداف المدنيين، والمنشآت الطبية، ومخيمات الإيواء، ومنع وصول الإغاثة، يشكّل دليلاً واضحاً على نية التدمير الشامل، وهو الركن الأساسي الذي يقوم عليه توصيف جريمة الإبادة الجماعية في القانون الدولي.
وفي ضوء ذلك؛ يتوجب إحالة ملف جرائم الحرب في غزة إلى المحكمة الجنائية الدولية، ومساءلة المسؤولين الإسرائيليين عن الجرائم المرتكبة، وضمان عدم إفلاتهم من العقاب، باعتبار المساءلة شرطاً أساسياً لتحقيق العدالة وإنهاء ثقافة الحصانة التي شجعت على تكرار الجرائم بحق المدنيين الفلسطينيين.