في مشهد يكرّس واقع الإبادة الجماعية المستمرة بحق المدنيين في قطاع غزة، قُتل 57 فلسطينياً وأُصيب المئات فجر اليوم الثلاثاء، جراء غارات جوية وإطلاق نار مباشر نفذته قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد تجمعات من المدنيين كانوا بانتظار مساعدات إنسانية.
وأكدت وزارة الصحة في قطاع غزة أن 51 قتيلاً سقطوا وأصيب مئات بجراح، معظمها خطيرة، نتيجة مجزرة دامية وقعت في منطقة “دوار التحلية” بمحافظة خان يونس جنوبي القطاع، حيث كان حشد من السكان ينتظرون مساعدات غذائية. وأشارت الوزارة إلى أن مستشفى ناصر في خان يونس استقبل عدداً كبيراً من الجرحى، بينهم من وُصفت حالتهم بـ”الحرجة جداً”.
وفي حادثة منفصلة، أفادت مصادر طبية بأن آليات الاحتلال فتحت نيرانها على مجموعة من المدنيين قرب محور “نتساريم” وسط القطاع، ما أدى إلى مقتل فلسطيني وإصابة آخرين بجراح خطيرة. كما أُبلغ عن مقتل خمسة فلسطينيين قرب مركز مساعدات في مدينة رفح جراء استهداف مباشر من قوات الاحتلال.
ورغم الاحتياجات الإنسانية الكارثية؛ لم يسلم المدنيون الباحثون عن الغذاء من الاستهداف العسكري المباشر. وتستمر عمليات توزيع المساعدات في غزة عبر آليات يفرضها الاحتلال بعيداً عن رقابة الأمم المتحدة، من خلال ما يسمى “مؤسسة غزة للإغاثة الإنسانية”، وهي جهة يرفضها السكان المحليون والمنظمات الإغاثية لكونها أداة تسويقية بغطاء إنساني لسلطة الاحتلال وحلفائها.
وتأتي هذه المجازر في ظل غياب آليات حماية للمدنيين، حيث يتم استهدافهم في أكثر لحظاتهم ضعفاً، وهم يصطفون من أجل الحصول على بعض الطحين أو علبة حليب، في مشهد يعكس انهيار منظومة القيم الإنسانية والقانونية في واحدة من أكثر بقاع العالم معاناة اليوم.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يواجه قطاع غزة حرباً شاملة تتجاوز قواعد الاشتباك ومبادئ التمييز والتناسب المنصوص عليها في القانون الدولي الإنساني، حيث تجاوز ما يجري الحرب التقليدية إلى نمط ممنهج من الإبادة الجماعية، تتجسد عناصرها في القتل واسع النطاق، الحصار والتجويع، التهجير القسري، وتدمير المقومات الحياتية للسكان.
وتشير بيانات وزارة الصحة بغزة إلى سقوط أكثر من 184 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، فضلاً عن أكثر من 11 ألف مفقود تحت الأنقاض، بينما أُجبر مئات الآلاف على النزوح داخل رقعة محاصرة أصلاً، وسط انهيار شامل في النظام الصحي وشح حاد في الغذاء والماء والدواء.
ولا تقتصر الجريمة المتواصلة على قصف البيوت والمستشفيات، بل تمتد إلى استهداف تجمعات الجوعى وأماكن توزيع المساعدات، في سلوك يُعبّر عن استراتيجية ممنهجة لتقويض فرص الحياة، حتى في حدها الأدنى.
إن المجتمع الدولي مطالبٌ اليوم بعدم الاكتفاء ببيانات القلق والتنديد، وبالتحرك الجاد لتفعيل أدوات المحاسبة والمساءلة القانونية، ووقف سياسة الإفلات من العقاب التي سمحت للاحتلال بارتكاب هذه الجرائم دون عواقب.