قُتل 30 فلسطينياً على الأقل، وأصيب عشرات آخرون صباح الأحد، بعد أن فتحت قوات الاحتلال النار على حشود مدنية تجمعت أمام مركز توزيع مساعدات تابع لـ”مؤسسة غزة الإنسانية” غرب مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة.
وبحسب إفادات شهود عيان؛ فقد توافد المئات من سكان رفح منذ ساعات الصباح الأولى إلى الموقع الذي أعلن عن بدء توزيع مساعدات إغاثية، ليتعرضوا لهجوم مباشر بإطلاق نار من آليات عسكرية متمركزة قرب الموقع، إلى جانب قنابل ألقتها طائرات مسيّرة تابعة للاحتلال، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى، وسط حالة من الفوضى والهلع.
وتم نقل جثامين 30 قتيلاً، إضافة إلى عشرات المصابين، إلى مجمع ناصر الطبي في خان يونس والمستشفى الميداني التابع للجنة الدولية للصليب الأحمر، فيما واجهت سيارات الإسعاف صعوبة كبيرة في الوصول إلى الموقع نتيجة استمرار إطلاق النار وخطورة الأوضاع الميدانية.
وفي تطور متزامن؛ استهدفت قوات الاحتلال أيضاً مدنيين في مركز آخر لتوزيع المساعدات يقع قرب محور نتساريم وسط قطاع غزة، حيث أفادت مصادر طبية أن مستشفى العودة بمخيم النصيرات استقبل 20 إصابة على الأقل جرّاء إطلاق نار استهدف تجمعات سكانية في محيط المركز الكائن عند مدخل مخيم البريج.
وتُعد هذه الحوادث امتداداً لنهج ممنهج يتبعه الاحتلال في استهداف المدنيين، لا سيما في محيط مراكز توزيع المساعدات، والتي أصبحت خلال الأسابيع الماضية مناطق محفوفة بالخطر، عوضاً عن كونها نقاط نجاة لمنكوبين من المجاعة والتهجير.
وبدأت “مؤسسة غزة الإنسانية”، وهي شركة أمريكية مدعومة من الاحتلال، توزيع مساعدات في قطاع غزة منذ قرابة أسبوع، عبر ثلاثة مراكز تقع جميعها في جنوب القطاع (رفح وخان يونس ووسط غزة)، في وقت تفتقر فيه مدينة غزة وشمال القطاع بشكل كامل لأي آلية مماثلة. ورغم حاجة السكان الماسة للمساعدات؛ لقيت هذه الآلية رفضاً شعبياً واسعاً، واتهامات باستغلال معاناة المدنيين لأهداف غير إنسانية، في ظل تهميش دور مؤسسات الأمم المتحدة والجهات الإغاثية الدولية التي لطالما تولت تلك المهمة وفق ضوابط إنسانية معترف بها.
ولا يمكن فصل السياق العام لهذه الجريمة عن حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي أفضت إلى مقتل وإصابة أكثر من 178 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، إلى جانب أكثر من 11 ألف مفقود، وسط تدمير واسع للبنية التحتية المدنية وتهجير مئات آلاف السكان قسراً.
ولم يعد ما يجري في غزة منذ قرابة ثمانية أشهر يدخل ضمن إطار الحرب التقليدية، بل يُصنَّف قانونياً وأخلاقياً كحرب إبادة جماعية ضد المدنيين، تُمارس فيها كافة أنماط الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، من القتل العشوائي والتجويع المتعمّد، إلى منع وصول الإغاثة الإنسانية واستهداف المدنيين في لحظات بحثهم عن الحد الأدنى من مقومات البقاء.
إن تكرار استهداف مراكز توزيع المساعدات، وتوثيق مئات الضحايا خلال محاولتهم الوصول إلى الغذاء، يشير إلى نية متعمدة في استخدام الجوع كسلاح حرب، بما يشكل جريمة مركّبة تنتهك مبادئ القانون الدولي الإنساني، وخصوصاً اتفاقيات جنيف التي تجرّم استهداف المدنيين وتمنحهم حماية خاصة في زمن النزاع.
وفي ظل التواطؤ الدولي والصمت المطبق؛ يواصل الاحتلال سياساته الإجرامية في قطاع غزة، في واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية دمويةً في العصر الحديث، دون رادع أو محاسبة.