أيدت محكمة الاستئناف في تونس، حكماً ابتدائياً صدر في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بسجن وزير العدل الأسبق والقيادي في حركة النهضة نور الدين البحيري لمدة 10 سنوات، على خلفية تدوينة نُسبت إليه، دعا فيها إلى التظاهر في ذكرى ثورة 14 يناير.
وأُصدر الحكم وفق تصريحات هيئة الدفاع دون مرافعات، رغم طلب رسمي بتأخير الجلسة بعد تقديم شكاية تتعلق بـ”التدليس”، ما يثير تساؤلات حول سلامة الإجراءات القضائية ومدى احترام الحق في المحاكمة العادلة.
وينفي البحيري الذي اعتُقل منذ أكثر من عام، من خلال محاميه، وجود التدوينة محل الاتهام، في حين تؤكد هيئة دفاعه أن التهم ذات طابع سياسي، وتستهدفه بصفته من أبرز المعارضين للرئيس الحالي قيس سعيد.
ويُذكر أن البحيري سبق أن واجه حكماً آخر بالسجن لمدة 15 عاماً، إضافة إلى حكم ثالث يقضي بسجنه 43 عاماً، في ما يُعرف بملف “التآمر على أمن الدولة” الذي وُجهت فيه إليه تهم خطيرة، من بينها “تكوين مجموعة إرهابية” و”ارتكاب أمر موحش في حق رئيس الدولة”.
كما صدرت بحقه مذكرة توقيف في قضية أخرى تتعلق بملف افتعال جوازات سفر لأجانب عندما كان وزيراً للعدل عام 2013.
ويأتي التوسع في التهم والأحكام ضد البحيري وسواه من قيادات المعارضة، ضمن السياق السياسي العام الذي تعيشه تونس منذ إعلان الإجراءات الاستثنائية من قبل الرئيس قيس سعيد في يوليو/تموز 2021.
ومنذ تلك الإجراءات التي أعلنها سعيد، والتي شملت حل البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء وتعليق العمل بأجزاء من الدستور، سجلت البلاد تراجعاً لافتاً في مؤشرات الحريات العامة، وبرزت موجة اعتقالات طالت معارضين بارزين، من بينهم راشد الغنوشي (83 عاماً)، المحكوم بالسجن 22 عاماً، وعلي العريض، رئيس الحكومة الأسبق، الذي صدر بحقه حكم بالسجن لمدة 34 عاماً.
وتفتقر محاكمة البحيري للضمانات القانونية الأساسية، في ظل توظيف القضاء كأداة لتصفية الخصوم السياسيين، وخاصة مع تغييب المعايير الدنيا للمحاكمة العادلة، مثل علنية الجلسات، وحق الدفاع، وافتراض البراءة، واستقلال القضاة.
وكان البحيري قد خاض عدة إضرابات عن الطعام داخل السجن احتجاجاً على اعتقاله، أحدها استمر 20 يوماً وتسبب له في تدهور حاد في صحته، ما استدعى تدخل منظمات حقوقية لإقناعه بفك الإضراب حفاظاً على حياته. كما رفعت هيئة دفاعه شكاية ضد الجهة الأمنية التي اعتقلته بتهمة التعذيب، على خلفية ما وصفوه باعتداءات جسدية تسببت له في كسور.
ويشكل الحبس على خلفية تعبير سلمي، مثل نشر تدوينة أو الدعوة إلى التظاهر، انتهاكاً واضحاً للحق في حرية التعبير والتجمع، وهو ما يكفله العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادقت عليه تونس.
كما أن توجيه تهم خطيرة، من قبيل “الإرهاب” أو “التآمر على أمن الدولة”، دون تقديم أدلة موثقة أو توفير ضمانات الدفاع الكافية، يمثل مساً خطيراً بمبدأ سيادة القانون. ويُعدّ استخدام القضاء لمحاكمة معارضين سياسيين إحدى صور القمع التي تقوض أسس الديمقراطية، وتدفع البلاد نحو مزيد من الاستبداد.