في تطور مأساوي جديد يكشف عمق الكارثة الإنسانية التي يعيشها قطاع غزة؛ أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في القطاع أن أكثر من 20 ألف طفل قضوا خلال العامين الأخيرين في الحرب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على القطاع، في واحدة من أبشع الجرائم الجماعية في العصر الحديث.
ويشير هذا الرقم إلى حجم الانهيار الإنساني الشامل، وإلى نمطٍ من القتل الممنهج الذي يستهدف المدنيين، ما يجعل توصيف ما يجري كـ إبادة جماعية أمراً متسقاً مع المعايير القانونية الدولية.
وتظهر الأرقام الصادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي أن الاحتلال لم يكتفِ بقتل عشرات الآلاف من المدنيين، بل دمّر البنية التحتية التي تحفظ الحياة ذاتها. فقد خرجت 38 مستشفى و96 مركزاً صحياً عن الخدمة بفعل القصف المباشر، فيما استُهدفت أو دُمّرت 197 سيارة إسعاف، في دلالة على سياسة متعمدة لضرب النظام الصحي في عمقه.
ولم يسلم العاملون في الخطوط الإنسانية من آلة الحرب، إذ قُتل 1,670 من أفراد الطواقم الطبية أثناء أداء مهامهم، إلى جانب 254 صحفياً و140 عنصراً من الدفاع المدني، في مشهدٍ يُظهر استهدافاً متعمداً لكل من يحاول إنقاذ الأرواح أو توثيق الجرائم.
وامتد الدمار إلى المراكز الدينية والمجتمعية، حيث دُمّر 835 مسجداً تدميراً كلياً، وتعرضت 3 كنائس للقصف المتكرر، فيما استُهدفت 40 مقبرة، وهو ما يعكس رغبة الاحتلال في محو الرموز الثقافية والروحية للشعب الفلسطيني.
أما على صعيد السكن؛ فقد دمّر الاحتلال 268 ألف وحدة سكنية بشكل كامل، وحوّل 148 ألفاً إلى أطلال غير صالحة للسكن، ما أدى إلى تشريد أكثر من 288 ألف أسرة، في جريمة تهجير جماعي تقوّض أبسط مقومات البقاء الإنساني.
ووفق اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948، فإن أي فعل يُرتكب بقصد تدمير جماعة قومية أو إثنية أو دينية، كلياً أو جزئياً، يُعد إبادة جماعية، سواء تم ذلك بالقتل المباشر أو بإخضاع السكان لظروف معيشية تؤدي إلى فنائهم.
وعند قراءة الوقائع الميدانية في غزة، يتضح أن جميع عناصر الجريمة متوافرة، فالقصد يتجلى في الخطاب المعلن لقادة الاحتلال الذين يتحدثون صراحة عن “محو غزة” و”تطهيرها”، والفعل المادي يظهر في عمليات القتل الجماعي، والحصار الخانق، والتدمير الممنهج للمستشفيات والمنازل والبنى الأساسية. أما النتيجة؛ فهي فناء جماعي لمجتمع مدني بأكمله تحت الحصار والجوع والقصف.
وفي ظل هذا الواقع؛ يتحول صمت المجتمع الدولي إلى تواطؤ فعلي، إذ تستمر بعض القوى الكبرى في دعم الاحتلال سياسياً وعسكرياً رغم وضوح الأدلة على ارتكاب جرائم ترقى إلى الإبادة.
إن هذا الصمت لا يفرغ القانون الدولي الإنساني من مضمونه فحسب، بل يكرّس نظاماً من الحصانة السياسية يسمح بتكرار الجرائم نفسها، ويقوّض ثقة الشعوب بعدالة المنظومة الدولية.