تمرّ اليوم ذكرى مذبحة رابعة العدوية والنهضة، التي وقعت في 14 أغسطس/آب 2013، حين قامت قوات الأمن المصرية بفضّ اعتصامين متزامنين في القاهرة والجيزة بالقوة المسلحة، ما أسفر عن مئات القتلى وآلاف الجرحى في يوم واحد، في واحدة من أكثر الأحداث دموية في تاريخ مصر الحديث.
ووقعت العملية وسط حشود مدنية كانت تحتج سلمياً على الإطاحة بالرئيس المنتخب آنذاك، ورفعت مطالب سياسية، لكن أسلوب التعامل الأمني حوّل الساحات إلى مشهد أشبه بساحة قتال، مع استخدام الذخيرة الحية على نطاق واسع، وغياب أي مسار آمن لخروج المعتصمين.
وتضع هذه الوقائع ما جرى في سياق الانتهاكات الجسيمة للحق في الحياة، وحرية التجمع السلمي، والحماية من الاستخدام المفرط للقوة، وهي حقوق يكفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وكلاهما من المرجعيات الملزمة أخلاقياً وقانونياً للدول.
ولم تنته المأساة بانتهاء يوم الفض، بل تواصلت تداعياتها لسنوات. فقد شهدت البلاد موجات واسعة من الاعتقالات والمحاكمات التي طالت المئات من قادة المعارضة، وآلاف المشاركين في الاعتصام أو من يشتبه بتعاطفهم معه.
وكثير من هؤلاء المعتقلين نقلوا لاحقاً إلى مجمع بدر شمال القاهرة، حيث يبرز سجن “بدر 3” كمثال على الانتهاكات المستمرة، من الحبس الانفرادي المطوّل، والحرمان من الزيارات، والتضييق على الاتصال بالعالم الخارجي، وصولاً إلى حرمان السجناء من العلاج والرعاية الطبية اللازمة، وهو ما يُعد انتهاكاً للمادة 10 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على معاملة المحتجزين معاملة إنسانية تحترم كرامتهم.
وعلى مدى السنوات الماضية، دخل عدد من المعتقلين البارزين في إضرابات مفتوحة عن الطعام احتجاجاً على ظروف الاحتجاز، من بينهم قيادات سياسية ودينية وأكاديميون، ما يعكس خطورة الوضع الإنساني داخل السجون المصرية.
وفي هذه الذكرى؛ يتجدد النداء لضرورة فتح تحقيق مستقل وشفاف في أحداث 2013، ومحاسبة المسؤولين عن عمليات القتل الجماعي، ووقف الاعتقال التعسفي، وضمان الوصول الفوري للمنظمات الحقوقية والإنسانية إلى أماكن الاحتجاز.
كما يتعين على السلطات الالتزام بالمعايير الدولية في معاملة السجناء، بما في ذلك القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء (قواعد نيلسون مانديلا)، التي تشدد على الرعاية الصحية، والحق في الاتصال بالعالم الخارجي، والحماية من المعاملة القاسية أو المهينة.
إن استمرار الصمت الرسمي إزاء هذه الانتهاكات، وعدم اتخاذ خطوات جادة نحو المساءلة، يكرّس حالة الإفلات من العقاب، ويُبقي جراح رابعة مفتوحة، ليس فقط في ذاكرة الضحايا وذويهم، بل في سجل حقوق الإنسان في مصر.