تواصل المحاكم المصرية إصدار أحكام قاسية بحق مئات المعتقلين على خلفية الاعتصام الذي فضه الجيش بالقوة المفرطة في أغسطس/آب 2013، في أحد أكثر الأحداث دموية في تاريخ مصر الحديث.
وفي هذا السياق؛ قضت محكمة جنايات القاهرة، بالسجن المشدد 10 سنوات على 8 معتقلين في إعادة إجراءات محاكمتهم بتهم تتعلق بالتجمهر خلال اعتصام رابعة العدوية اعتراضاً على عزل السلطات العسكرية للرئيس المنتخب آنذاك محمد مرسي.
ويأتي هذا الحكم ضمن واحدة من أضخم القضايا السياسية في مصر خلال العقد الأخير، والتي حوكم فيها 739 شخصاً من المعارضين لخطوة إطاحة الجيش بالحكم المدني عام 2013.
وكانت المحكمة قد أصدرت سابقاً أحكاماً بالإعدام بحق 75 متهماً، وأحكاماً أخرى بالسجن المؤبد لـ25 عاماً على عدد من الشخصيات البارزة آنذاك، بالإضافة إلى أحكام بالسجن 10 سنوات على آخرين، ومنهم أسامة محمد مرسي، والسجن 5 سنوات على المصوّر الصحافي شوكان.
كما صدرت أحكام بالسجن المشدد لمدد تتراوح بين 5 و15 سنة بحق مئات المعتقلين، بينهم 32 شخصاً من القُصّر، بينما انقضت الدعوى بحق آخرين توفّوا داخل أماكن الاحتجاز قبل انتهاء محاكماتهم.
ورغم أن عملية فض الاعتصام خلّفت أكثر من ألف قتيل من المدنيين وفق تقديرات موثوقة، فإن قائمة الاتهام خلت تماماً من أي عنصر أمني أو عسكري شارك في التخطيط أو التنفيذ، في حين اقتصرت الاتهامات على شخصيات مدنية بارزة عارضت إجراءات الثالث من يوليو، بالإضافة إلى مئات المعتقلين الذين تم توقيفهم خلال عملية الفض.
وتضم القضية مسؤولين سابقين، وبرلمانيين سابقين، وشخصيات عامة، وأعضاء في كيانات سياسية معارضة، فضلاً عن أكاديميين وأطباء ومهندسين وطلاب وإعلاميين، من بينهم الداعية صفوت حجازي، والقيادي وجدي غنيم، والشخصيات السياسية عصام العريان ومحمد البلتاجي وعصام سلطان، وغيرهم.
وتشير المعطيات الحقوقية إلى اختلال جوهري في ميزان العدالة في هذه القضية، حيث يُحاكم مئات المدنيين على خلفية مشاركتهم في اعتصام سياسي، بينما لم تُفتح أي تحقيقات مستقلة وجادة في استخدام القوة المميتة خلال الفض، رغم العدد الضخم للضحايا.
كما أن محاكمة هذا العدد الهائل من الأشخاص في قضية واحدة، مع تهم فضفاضة ذات طابع سياسي، تثير مخاوف كبيرة تتعلق بحقوق الدفاع، وضمانات المحاكمة العادلة، وتقييم الأدلة الفردية لكل متهم.
إضافة إلى ذلك؛ تمثّل الأحكام الطويلة بحق القُصّر انتهاكاً مضاعفاً، نظراً لالتزام الدولة قانوناً بتطبيق تدابير خاصة تراعي مصلحة الأطفال وتُجنّبهم العقوبات المشددة.
وتعكس هذه الأحكام الصادرة في عملية قضائية مثقلة بالثغرات القانونية، استمرار نهج العقاب الجماعي تجاه فئات واسعة من المعارضين للسلطات القائمة، مقابل غياب تام للمحاسبة عن الأحداث التي أسفرت عن خسائر بشرية غير مسبوقة في تاريخ مصر الحديث.
وتؤكد هذه التطورات الحاجة الملحّة إلى تحقيق مستقل وشفاف في عملية الفض وما أعقبها من اعتقالات واسعة، وضمان محاكمات عادلة وفردية لكل متهم، بعيداً عن التسييس والاتهامات الجماعية.





























