في مشهد متكرر يؤكد عمق الأزمة الإنسانية في منظومة الاحتجاز داخل السجون المصرية؛ توفي المعتقل حمدي محمد (63 عامًا) داخل سجن ليمان المنيا يوم الجمعة 31 أكتوبر، بعد معاناة طويلة مع المرض وحرمان متعمد من الرعاية الصحية التي كان يحتاجها.
وتأتي وفاة حمدي لتضيف حلقة جديدة إلى سلسلة وفيات متصاعدة خلف القضبان، حيث يتعرض مئات المعتقلين، خاصة كبار السن والمرضى، إلى إهمال طبي ممنهج يرقى إلى انتهاك الحق في الحياة ومخالفة صريحة للالتزامات الدستورية والدولية لمصر في حماية السجناء ورعايتهم الصحية.
وكان حمدي – وهو مزارع من قرية وادي الريان بمحافظة الفيوم – قد اعتُقل قبل نحو عام ونصف، وخلال احتجازه في مركز شرطة يوسف الصديق خضع لعملية قلب مفتوح وتغيير دعامات، ما استدعى متابعة طبية دقيقة. غير أن السلطات نقلته لاحقًا إلى ليمان المنيا دون أي تجهيزات طبية كافية أو رعاية منتظمة، لتتدهور حالته بشكل متسارع خلال الأشهر الأخيرة بعد صدور حكم بحقه بالسجن عشر سنوات في القضية المعروفة إعلاميًا بـ “اقتحام مركز شرطة يوسف الصديق” عام 2013.
ورغم النداءات المتكررة من زملائه داخل الزنازين لإنقاذه، اكتفت إدارة السجن بوضعه في غرفة إسعافات بدائية غير مجهزة، رافضة نقله إلى مستشفى متخصص، إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة بعد تأخر نقله بشكل متعمد.
وتعكس وفاة حمدي نمطًا ثابتًا من الإهمال الطبي الذي حصد خلال الشهرين الماضيين أرواح معتقلين آخرين داخل السجن نفسه، بينهم صالح عابد، وسط غياب أي مساءلة حقيقية أو تحقيقات شفافة في هذه الانتهاكات.
ويعيد استمرار هذا الواقع إلى الواجهة تساؤلات جوهرية حول مدى احترام السلطات لحقوق السجناء المنصوص عليها في القانون المصري ذاته، الذي يُلزم الدولة بتوفير الرعاية الصحية لكل محتجز دون تمييز، وكذلك المادة 55 من الدستور المصري التي تحظر تعريض أي محتجز لأذى بدني أو معنوي وتضمن معاملته بما يصون كرامته الإنسانية.
وتشكل وفاة حمدي محمد داخل ليمان المنيا شاهدا جديدا على فشل المنظومة العقابية في صون حياة البشر، وعلى تحول السجون المصرية إلى أماكن مغلقة يموت فيها المرضى بصمت، فيما تظل العدالة غائبة والمساءلة مؤجلة.




























