أيدت محكمة جنح مستأنف الشروق في مصر، الحكم الصادر بسجن الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق لمدة خمس سنوات، ورفضت الاستئناف المقدم منه، في القضية المقيدة برقم 4527 لسنة 2025 جنح الشروق، والمتصلة بالقضية رقم 4937 لسنة 2024 حصر أمن دولة عليا، في خطوة اعتبرها مراقبون تصعيداً جديداً في استهداف الأصوات النقدية في المجالين الاقتصادي والفكري.
ويواجه فاروق (67 عاماً) اتهامات تتعلق بـ”الانضمام إلى جماعة إرهابية، ونشر أخبار وبيانات كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والتحريض ضد الدولة وقياداتها”، وهي اتهامات ارتبطت، وفق أوراق القضية، بمقالاته وأبحاثه الاقتصادية التي تناولت بالنقد والتحليل السياسات الاقتصادية المتبعة في البلاد خلال السنوات الأخيرة.
وبحسب مستندات التحقيق؛ استندت القضية إلى أكثر من 40 مقالاً نشرها فاروق خلال عامي 2023 و2024، تضمنت انتقادات مباشرة لرئيس الجمهورية ومؤسسات رسمية، وتناولت قضايا مثل إدارة المال العام، والمشروعات القومية الكبرى، وتوزيع الموارد، ودور المؤسسات السيادية في الاقتصاد. ويُلاحظ أن هذه الكتابات تندرج في إطار النقاش العام حول السياسات الاقتصادية، وهو ما يثير تساؤلات قانونية حول تجريم الرأي والتحليل الأكاديمي.
ويثير الحكم ضد فاروق تساؤلات جدية بشأن مدى احترام الحق في حرية التعبير، والبحث العلمي، وتداول المعلومات، وهي حقوق أساسية يكفلها الدستور المصري والمواثيق الدولية التي انضمت إليها مصر، حيث يؤكد الإطار القانوني الدولي أن النقد السلمي للسلطات والسياسات العامة، حتى وإن كان حاداً، يُعد جزءاً أصيلاً من النقاش العام، ولا يجوز تجريمه أو التعامل معه كتهديد أمني.
كما يطرح استخدام قضايا أمن الدولة في محاكمة كتاب وباحثين إشكاليات تتعلق بضمانات المحاكمة العادلة، لا سيما حين ترتبط الاتهامات بأعمال فكرية مكتوبة، دون اقترانها بأفعال عنف أو تحريض مباشر عليه.
وخلال جلسات التحقيق أمام نيابة أمن الدولة العليا؛ تقدم عبد الخالق فاروق بشكاوى متكررة تتعلق بظروف احتجازه، مؤكداً تعرضه لأزمات قلبية متكررة نتيجة قصور في الشريان التاجي، وسوء الرعاية الطبية داخل سجن العاشر من رمضان. وأفاد بأنه محتجز داخل زنزانة مغلقة لمدة تصل إلى 23 ساعة يومياً، مع حرمانه من التريض المنتظم والعلاج اللازم.
وذكر محاموه أن موكلهم نُقل مرتين إلى مستشفى السجن خلال الأشهر الماضية إثر أزمة قلبية حادة، محذرين من أن استمرار احتجازه في هذه الظروف يشكل خطراً حقيقياً على حياته، ويخالف المعايير الدنيا لمعاملة السجناء، التي تشدد على توفير الرعاية الصحية المناسبة، خصوصاً لكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة.
وتعيد هذه القضية إلى الأذهان واقعة توقيف فاروق في أكتوبر/تشرين الأول 2018، عقب نشره كتابه “هل مصر بلد فقير حقاً؟”، الذي ناقش فيه الأوضاع الاقتصادية وسياسات الديون، قبل الإفراج عنه بعد أيام. ويؤكد محاموه أن القضية الحالية تأتي في السياق نفسه، معتبرين أن ما يتعرض له لا يندرج في إطار المساءلة الجنائية، بل في سياق التضييق على الفكر النقدي والبحث الاقتصادي المستقل.
وينعكس استمرار ملاحقة الباحثين والخبراء بسبب آرائهم وتحليلاتهم سلباً على مناخ الحريات العامة في مصر، ويقوض إمكانية النقاش المجتمعي حول القضايا الاقتصادية والمعيشية، في وقت تشهد فيه البلاد تحديات اقتصادية متصاعدة تمس حياة ملايين المواطنين.


























