تتواصل في مصر سياسة استهداف الأصوات المستقلة والباحثين والصحافيين الذين يحاولون تناول قضايا حساسة خارج الخطاب الرسمي للدولة، في ظل انتهاكات ممنهجة ترتكبها السلطات ضد حرية التعبير في البلاد.
وفي هذا الإطار؛ قررت نيابة أمن الدولة العليا حبس الباحث والصحافي المعروف إسماعيل الإسكندراني خمسة عشر يوماً على ذمة التحقيق.
ويأتي القرار في إطار القضية رقم 6469 لسنة 2025، بتهم وُصفت بأنها ثقيلة تشمل “إذاعة أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة إرهابية واستخدام موقع إلكتروني للترويج لأفكار متطرفة”، وهي اتهامات درج النظام المصري على توجيهها لمعارضيه ليتسنى له محاكمتهم والتنكيل بهم.
وجرى اعتقال الإسكندراني في الساعات الأولى من صباح أمس الأربعاء عند كمين أمني قرب مدينة مرسى مطروح، قبل أن يُغلق هاتفه ويختفي لساعات، وهو ما أثار مخاوف بشأن تعرضه للإخفاء القسري، لا سيما وأنه من السجناء السياسيين السابقين الذين دفعوا أثماناً باهظة بسبب أعمالهم البحثية والكتابية.
ويُعد إسماعيل الإسكندراني من أبرز الباحثين المتخصصين في دراسة الحركات الإسلامية وقضايا شمال سيناء، وقد سبق أن اعتُقل عام 2015 عقب عودته من ألمانيا، وحُكم عليه بالسجن 10 سنوات في محاكمة عسكرية خُفِّضت لاحقاً إلى سبع سنوات، قبل أن يُفرج عنه في كانون الأول/ديسمبر 2022.
وتكشف عودة الإسكندراني اليوم إلى السجون بعد أقل من ثلاث سنوات من الإفراج عنه، عن نمط متكرّر يُعرف محلياً باسم “التدوير”، حيث يُعاد إدراج المفرج عنهم في قضايا جديدة لإطالة احتجازهم إلى أجل غير مسمى، وهو ما يمثل انتهاكاً واضحاً للضمانات الدستورية والقانونية.
وتحمل القضية دلالات حقوقية صارخة، فهي تعكس انتهاك الحق في حرية التعبير والبحث العلمي، إذ إن جوهر الاتهامات الموجهة للإسكندراني يرتبط مباشرة بكتاباته وأبحاثه حول سيناء. كما أن ظروف اعتقاله وإغلاق هاتفه لساعات تشير إلى احتمال تعرضه للإخفاء القسري، وهو أمر يتعارض مع أبسط القواعد القانونية التي تكفل حق المحتجز في التواصل مع أسرته ومحاميه.
كما تكشف القضية عن تسييس مقلق للقضاء، إذ باتت تهمة “الانضمام إلى جماعة إرهابية” تُستخدم كذريعة ضد كل من ينتقد سياسات الدولة أو يكشف عن جوانب معتمة في المشهد السياسي والاجتماعي. واستهداف باحث بارز سبق أن قضى سنوات في السجن، يشكّل رسالة ردع واضحة لبقية الأكاديميين والناشطين، مفادها أن أي محاولة للتعبير المستقل قد تنتهي بالمصير ذاته.
إن حبس إسماعيل الإسكندراني 15 يوماً على ذمة التحقيق ليس مجرد إجراء قضائي، بل خطوة جديدة في مسار انتهاكات منهجية ضد حرية التعبير والبحث العلمي في مصر. وتؤكد هذه القضية أن السلطة ماضية في استخدام قوانين مكافحة الإرهاب كسلاح لإسكات الأصوات المستقلة، في مشهد يعكس أزمة عميقة بين السلطة والحقوق الأساسية للمواطنين، ويضع مستقبل الحريات في البلاد أمام تحديات غير مسبوقة.