ظهر الباحث القبطي هاني صبحي أمام نيابة أمن الدولة العليا في ضاحية التجمع الخامس، شرقي القاهرة، عقب يومين من تعرضه للإخفاء القسري في مكان غير معلوم إثر اقتحام منزله في حي المرج الشعبي من دون إذن قضائي، بعد ساعات من نشره تدوينة ساخرة عبر صفحته في “فيسبوك” فُهم منها أنه ينتقد الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وحققت نيابة أمن الدولة مع صبحي في القضية رقم 7143 لسنة 2025 (حصر أمن الدولة)، بعد توجيه تهمتين له: الأولى الانضمام إلى جماعة إرهابية (الإخوان المسلمين)، والثانية نشر أخبار وبيانات كاذبة، وقررت حبسه على ذمة التحقيق في القضية مدة 15 يومًا احتياطيًا.
وصبحي باحث وروائي شاب، صدرت له في أواخر عام 2024 المجموعة القصصية “روح الروح”، التي تناولت في عدد من نصوصها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وطرحت تساؤلات إنسانية عن الذاكرة والهوية والمقاومة. كما عُرفت له روايته الأولى “على قهوة في شبرا” الصادرة عام 2020، التي جسدت ملامح الحياة اليومية في الحي القاهري العريق بتنوعه الاجتماعي والثقافي.
ويأتي القبض على صبحي يأتي في سياق حملة أوسع من الملاحقات ضد الأدباء والمدونين والباحثين، الذين يجدون أنفسهم بين خيارين: الصمت أو السجن. ففي السنوات الأخيرة؛ توسعت السلطات في استخدام تهم الانضمام إلى جماعة إرهابية، ونشر الأخبار الكاذبة، باعتبارها صيغاً جاهزة لإسكات كل صوت معارض أو ساخر أو متمرد على الرواية الرسمية.
ويشكل توقيف صبحي على هذا النحو انتهاكاً صارخاً للدستور المصري نفسه، الذي يكفل حرية التعبير والبحث العلمي والإبداع الفني، كما يخالف التزامات مصر الدولية بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يحظر الاعتقال التعسفي ويضمن حرية الرأي دون تدخل. كما أن مداهمة منزله دون إذن قضائي تمثل تجاوزاً لقانون الإجراءات الجنائية المصري، الذي لا يجيز دخول المنازل أو تفتيشها إلا بأمر قضائي مسبب.
وتكتسب هذه الواقعة بُعداً أشد خطورة في ظل ما ذكرته مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان من استمرار ممارسات الإخفاء القسري والتعذيب وسوء المعاملة في مصر، واستخدام تهم الإرهاب لمعاقبة المدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين والمحامين، رغم الإفراجات المحدودة التي لم تغيّر من واقع القمع المنهجي والاحتجاز التعسفي لآلاف المعارضين.
ويعتبر حبس هاني صبحي دليلا جديدا على تغوّل الأجهزة الأمنية على حرية الإبداع والضمير، وتحويل القضاء إلى أداة لتصفية الحسابات السياسية والفكرية. فكل باحث أو كاتب ينتقد السلطة، ولو بسخرية، بات عرضة لأن يُدرج في قوائم الإرهاب، في تناقض فاضح مع أبسط معايير العدالة وسيادة القانون.
إن استمرار هذا النمط من القمع لا يهدد فقط حرية الأفراد، بل يضرب في جوهره الحق الجماعي للمجتمع في التفكير والنقد والتطور. وفي بلدٍ يُعتقل فيه كاتب بسبب جملة ساخرة؛ يصبح الخطر الحقيقي ليس في الإرهاب المزعوم، بل في إرهاب الدولة الممنهج الذي يخنق الكلمة ويجرّم الوعي.























