قررت نيابة أمن الدولة العليا المصرية، حبس ثمانية مواطنين، من بينهم المحامي الشاب سيف ممدوح أحمد، لمدة 15 يوماً على ذمة التحقيق، على خلفية مشاركتهم في فعالية تضامنية مع سكان قطاع غزة، نُظّمت في 4 مايو/أيار الماضي.
ويُعد سيف ممدوح أحد أبرز المعتقلين في هذه القضية، وقد تم توقيفه قبل أكثر من شهر دون عرض على جهات التحقيق، أو الكشف عن مكان احتجازه، وهو ما يمثل انتهاكاً صارخاً للحق في الحرية والسلامة الجسدية، وللضمانات الأساسية الواردة في الدستور المصري والقانون الدولي، وفي مقدمتها الحق في معرفة مكان الاحتجاز والاتصال بمحامٍ وذوي المعتقل.
وتم إدراج المتهمين ضمن القضية رقم 3862 لسنة 2025 حصر أمن دولة عليا، والتي وُجهت فيها إليهم اتهامات نمطية متكررة في مثل هذه الملفات، أبرزها “الانضمام إلى جماعة إرهابية” و”نشر أخبار وبيانات كاذبة من شأنها الإضرار بالأمن العام”، في مسعى واضح لإضفاء طابع جنائي على أنشطة ذات طابع سلمي، في تحدٍّ لحرية الرأي والتعبير المكفولة بموجب الدستور المصري والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
ويضم المعتقلون في هذه القضية إضافة إلى سيف ممدوح أحمد، سبعة شبّان من بينهم طلاب جامعيون، جرى توقيفهم على خلفية رفع شعارات تضامنية مع الشعب الفلسطيني، في خطوة تعكس تزايد استهداف النشطاء والمواطنين العاديين لمجرد التعبير عن مواقفهم الأخلاقية إزاء القضايا الإقليمية والإنسانية.
وسجلت الأشهر الأخيرة تصعيداً لافتاً في وتيرة الاعتقالات ذات الطابع السياسي المرتبطة بأنشطة تضامنية أو إنسانية، حيث بلغ عدد المعتقلين في هذا السياق 186 شخصاً موزعين على 16 قضية مختلفة منظورة أمام نيابة أمن الدولة، وتنوّعت الاتهامات ما بين التظاهر دون تصريح، رفع اللافتات، أو حتى المشاركة في جهود دعم إنساني.
وتمثل القضايا الأخيرة، بما فيها قضية المحامي سيف ممدوح، تطوراً نوعياً، حيث لم يعد القمع الأمني يستهدف فقط الأفراد المنخرطين بشكل مباشر في التعبير أو النشاط، بل أصبح يمتد إلى بيئاتهم الاجتماعية والمهنية، في مسعى لترهيب دوائر أوسع من المجتمع، والتضييق على أية مساحة حرة للتعبير المدني.
كما يُسجَّل في هذا السياق الغياب الصارخ للمؤسسات النقابية والمهنية، وعلى رأسها نقابة المحامين، التي لم تُصدر حتى الآن أي موقف يوضح مدى متابعتها لقضية أحد أعضائها، وهو ما يثير تساؤلات حقيقية حول دور هذه النقابات في الدفاع عن أعضائها واستقلالهم، في مواجهة التدخلات الأمنية التي تمس جوهر الحقوق الأساسية.
وفي الوقت الراهن؛ لا يزال 150 شخصاً على الأقل رهن الحبس الاحتياطي في 12 قضية مختلفة، تتراوح التهم الموجهة فيها بين “الانضمام إلى جماعة إرهابية” و”نشر أخبار كاذبة” و”التجمهر” من بينهم ثلاثة أطفال لم تتجاوز أعمارهم 18 عاماً، ما يمثل إخلالاً بواجبات الدولة في حماية القُصّر، ويشكل خرقاً واضحاً لاتفاقية حقوق الطفل التي صدّقت عليها مصر.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه السياسات الأمنية تمثل نمطاً متكرراً من القيود المفروضة على الحريات الأساسية، وعلى رأسها حرية التعبير، وحق التظاهر السلمي، والتجمع، وتثير قلقاً مشروعاً بشأن تآكل المساحات المدنية في البلاد، وتحول التضامن الإنساني إلى تهمة يُحاسب عليها الأفراد بأقسى أدوات العقاب الأمني.