لا تزال السجون المصرية تشهد سلسلة متكررة من حالات الوفاة الناتجة عن الإهمال الطبي وسوء المعاملة، ما يعكس أزمة حقوقية ممتدة تطال آلاف المعتقلين السياسيين.
وفي أحدث فصول هذه المأساة؛ توفي المهندس المدني عبدالفتاح عبدالعظيم عطية (70 عاماً) الاثنين 16 ديسمبر 2024، داخل المركز الطبي بسجن بدر.
وجاءت وفاة عطية بعد معاناة طويلة مع أمراض مزمنة في الكبد والقلب والكلى، وفي ظل إهمال طبي جسيم حال دون حصوله على العلاج اللازم أو الإفراج الصحي الذي كان يمكن أن ينقذ حياته.
وكان عطية الذي كان محتجزاً احتياطياً على ذمة قضية أمن دولة، قد نُقل إلى سجن بدر 3 في ظروف احتجاز لا تراعي حالته الصحية الحرجة.
ومع تدهور أوضاعه الصحية؛ تم نقله إلى المركز الطبي بالسجن، حيث احتاج إلى جلسات غسيل كلى منتظمة ورعاية طبية مستمرة بسبب أمراضه المزمنة.
ورغم تقدمه في العمر وعجزه عن الحركة واعتماده الكامل على المساعدة اليومية؛ رفضت السلطات المصرية جميع الطلبات التي قدمها محاموه للحصول على إفراج صحي، متجاهلة بذلك حالته الخطيرة وانعدام الأمل في تحسنها داخل بيئة السجن غير المؤهلة.
ولا يمكن فصل وفاة عطية عن سياق أوسع من الانتهاكات داخل السجون المصرية. فقد كان هذا الشهر وحده شاهدا على وفاة أربعة معتقلين سياسيين، جميعهم ضحايا لظروف احتجاز قاسية وإهمال طبي متعمد.
وتؤكد هذه الوفيات المتكررة وجود سياسة ممنهجة من الإهمال الطبي وعدم توفير الحد الأدنى من الرعاية الصحية اللازمة للمعتقلين.
ويشكل ما حدث مع عطية انتهاكاً صارخاً للدستور المصري، الذي ينص في مادته الـ18 على حق كل مواطن في الحصول على الرعاية الصحية، بما في ذلك المحتجزين. كما تتعارض الواقعة مع المادة 96 من قانون تنظيم السجون، التي تتيح الإفراج الصحي للمعتقلين الذين تهدد الأمراض حياتهم.
وعلى الصعيد الدولي؛ تشكل وفاة عبد الفتاح مخالفة صريحة لقواعد نيلسون مانديلا النموذجية، التي تُلزم الدول بتقديم الرعاية الطبية الكاملة للسجناء وضمان عدم تعرضهم لأي شكل من أشكال المعاملة اللاإنسانية.
ويعكس رفض السلطات المصرية للإفراج الصحي وتجاهلها لحالته الصحية الحرجة، إصراراً على الإبقاء على أوضاع الاحتجاز في أدنى مستوياتها الإنسانية، ما يستوجب مطالبة السلطات المصرية بالتطبيق الفوري للإفراج الصحي عن المعتقلين الذين يعانون من أمراض مزمنة أو أوضاع صحية تهدد حياتهم، فضلاً عن تحسين البنية الصحية داخل السجون بما يضمن التزامها بالمعايير الوطنية والدولية.