في سابقة تثير القلق حول واقع الحريات العامة والضمانات القانونية في الأردن، تتواصل حالات التوقيف والاحتجاز الإداري لعدد من الشخصيات المجتمعية والدعوية والتربوية دون محاكمات عادلة أو تهم واضحة.
ولا يدور الحديث هنا عن أصحاب سوابق أو متهمين بقضايا جنائية، بل عن رموز مجتمعية بارزة، من معلمين ودعاة وخبراء تربويين وشخصيات عامة ذات سجل ناصع في العمل الخيري والدعوي، خدمت المجتمع الأردني لعقود، وكانت في الصفوف الأولى في بناء مؤسساته التربوية والاجتماعية.
ومن بين المعتقلين، الشيخ الجليل أحمد الزرقان (73 عامًا)، رئيس بلدية الطفيلة الأسبق، والداعية المعروف الدكتور غازي الدويك، والأكاديمي المتخصص في الإدارة الدكتور إبراهيم المنسي، والمؤرخ إبراهيم اليماني، وغيرهم من الشخصيات التي لا يُعرف عنها إلا العمل المجتمعي والخيري.
كما يبرز اسم الدكتور سلمان المساعيد، عضو نقابة الممرضين، والمعروف بمبادراته الإنسانية، إلى جانب الإعلامي والمدرب التربوي مصطفى صقر، وخبراء تعليم ومناهج مثل الدكتور أيمن صندوقة، إضافة إلى دعاة وناشطين شباب مثل طارق الرقب وعبد الرحمن الجهني.
وتشير المعطيات إلى أن هذه الاعتقالات، التي غالبًا ما توصف بأنها “إدارية” أو “احترازية”، تتم على خلفية منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، أو المشاركة في فعاليات تضامنية مع قضايا الأمة، أو التعبير السلمي عن الرأي في الشأن العام. وغالبًا ما لا يُحال المعتقلون إلى المحاكم، بل يبقون رهن الاحتجاز دون تهمة رسمية أو دون محاكمة عادلة.
ويؤدي هذا النمط من التوقيف إلى نتائج كارثية على الأسر، إذ يُحرم الأطفال من آبائهم، وتُفقد العائلات مصدر رزقها، وتنهار البنى الاجتماعية حول هؤلاء الأفراد، ما يفتح أبوابًا واسعة للغُبن والشعور بالقهر.
كما أن آثار هذا الظلم لا تتوقف عند حدود المعتقل فحسب، بل تمتد إلى مجتمعاتهم المحلية التي تفقد عناصر فاعلة في التربية والتعليم والخطاب الديني المعتدل.
ويأتي هذا المشهد في وقت تعاني فيه المنطقة من تحديات متزايدة على صعيد الحريات العامة، ويُفترض أن الأردن، الذي لطالما حافظ على هامش من الحريات ورفض الانزلاق إلى العنف السياسي، يعزز مسار الإصلاح لا التراجع. إلا أن استمرار سياسات التوقيف الوقائي ومصادرة حرية التعبير حتى في حدود الشأن المحلي، يشير إلى مفارقة تُثير قلقًا متزايدًا في الشارع الأردني.
إن توقيف أشخاص دون سوابق، لمجرد آراء أو ارتباطات دعوية أو أنشطة خدمية، يُعد من أوجه التعسف القانوني التي تتعارض مع مبادئ العدالة، وهو ما يهدد العلاقة بين الدولة والمواطن، ويقوض الشعور بالثقة والعدالة، خصوصًا عندما يكون المعتقلون من المدرسين والأئمة الذين طالما دعوا إلى حب الوطن واحترام مؤسساته.