أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، الأربعاء، أن عدد الأطفال الفلسطينيين الذين قُتلوا أو أُصيبوا في قطاع غزة منذ بداية العدوان في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تجاوز 50 ألفًا، في واحدة من أشد الحروب دموية في التاريخ الحديث ضد الأطفال.
وتأتي هذه الأرقام في وقت تتصاعد فيه الهجمات الجوية والمدفعية التي ينفذها الاحتلال ضد مناطق مكتظة بالسكان، من دون تمييز أو احترام لأي قواعد قانونية أو أخلاقية، في ما يبدو أنها سياسة متعمدة لتفكيك البنية السكانية والاجتماعية في القطاع.
وخلال 72 ساعة فقط؛ كشفت المنظمة الأممية عن صور ومقاطع فيديو وثّقت فظائع استهدفت أطفالًا فلسطينيين. ففي غارة وقعت الجمعة الماضية، قُتل تسعة أطفال من عائلة واحدة – عائلة النجار – بعد أن استهدف الاحتلال منزلهم في خان يونس. وكانت والدتهم، طبيبة الأطفال آلاء النجار، تعمل حينها في مستشفى ناصر، لتتفاجأ بوصول جثامين أطفالها إلى المستشفى الذي تخدم فيه.
وفي الساعات الأولى من صباح الاثنين، تعرضت مدرسة “فهمي الجرجاوي” بمدينة غزة، التي كانت تأوي آلاف النازحين، لقصف مباشر أسفر عن مقتل 31 مدنيًا على الأقل، من بينهم 18 طفلًا. وتحوّلت المدرسة إلى كتلة من الرماد والركام، في مشهد يعكس حجم الاستهتار الكامل بحياة المدنيين وأماكن اللجوء.
إن ما يحدث في قطاع غزة يتجاوز مفهوم العمليات العسكرية إلى ما يرقى إلى سياسة إبادة جماعية ممنهجة. فاستهداف الأطفال على هذا النطاق، من حيث العدد والكيفية، لا يمكن تفسيره باعتباره “أضرارًا جانبية”، بل هو نمط متكرر وواضح من الانتهاكات الجسيمة، يعكس سلوكًا متعمّدًا لقتل الجيل القادم من الفلسطينيين، عبر التصفية المباشرة أو التدمير الكامل لبيئتهم الحياتية.
ومنذ نهاية وقف إطلاق النار في 18 مارس/آذار الماضي، قُتل 1309 أطفال فلسطينيين، وأصيب 3738 آخرون، وفق بيانات يونيسف. وهذا يعني أن الأطفال يُقتلون بمعدل يزيد عن 20 طفلًا يوميًا، وهو رقم صادم يعكس شدة الفتك الذي يتعرض له المدنيون، خاصة الفئات الأضعف بينهم.
ورغم المشاهد اليومية للدمار والمجازر؛ يقابل المجتمع الدولي ما يجري في غزة بصمت يكاد يُعتبر تواطؤًا. وفي المقابل؛ يحصّن الدعم المطلق المقدم من قبل بعض القوى الدولية الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، للآلة العسكرية الإسرائيلية، الاحتلال من المساءلة، ويمنحه ضوءًا أخضر لمواصلة حرب الإبادة.
إن أطفال غزة لا يحتاجون فقط إلى الغذاء والدواء، بل إلى العدالة والحماية والمساءلة. وهم في النهاية ليسوا مجرد أرقام تتداولها التقارير، بل ضحايا حقيقيون لجريمة تتكرر يوميًا، ويجب أن تتوقف، ليس فقط ببيانات الشجب، بل بإجراءات ملموسة تضع حدًا نهائيًا لهذه الإبادة التي تطال الحياة ذاتها في غزة.