في خطاب قوي أمام اللجنة الاجتماعية والإنسانية والثقافية التابعة للأمم المتحدة (اللجنة الثالثة)، قالت المقرّرة الأممية المعنية بحقوق الإنسان في فلسطين فرانشيسكا ألبانيزي إن دعم بعض الدول لسياسات الاحتلال الإسرائيلي، من استيطان وتهجير وعدوان متواصل، لم يكن مجرد خطأ سياسي، بل تطوّر لاحقاً إلى إبادة جماعية مكتملة الأركان ضد الشعب الفلسطيني.
وأوضحت ألبانيزي، التي منعتها العقوبات الأمريكية من الحضور شخصياً إلى نيويورك، أن الجرائم المرتكبة في غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 ليست حدثاً طارئاً، بل ذروة عقود من التواطؤ الدولي والفشل الأخلاقي.
وقالت إن “الاستيطان الاستعماري في فلسطين، والذي حظي بدعم مالي وعسكري من دول كبرى، تحول تدريجياً إلى سياسة تدمير منهجي للبشر والحجر، حتى بلغ مرحلة الإبادة الجماعية”.
وخلال عامين من الحرب على قطاع غزة؛ قُتل 68,531 فلسطينياً وأُصيب 170,402 آخرون، فيما لا يزال الآلاف مفقودين تحت الأنقاض أو في سجون الاحتلال.
كما أسفرت الانتهاكات في الضفة الغربية عن مقتل 1,062 فلسطينياً وإصابة نحو 10,000 آخرين، إضافة إلى اعتقال أكثر من 20,000 شخص، بينهم 1,600 طفل.
وتكشف هذه الأرقام عن اتساع نطاق الجرائم لتشمل كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة، في ظل صمت دولي مطبق وإفلات تام من العقاب.
وأكدت ألبانيزي أن العديد من الدول لم تكتفِ بالصمت، بل مارست أفعالاً مباشرة وغير قانونية، مثل تسليح الاحتلال وتمويل عملياته العسكرية وتوفير الحماية السياسية له في المحافل الدولية.
وتشكل هذه الممارسات، وفق المبادئ القانونية، مشاركة في الجريمة بموجب المادة 25 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، التي تُحمّل المسؤولية لكل من يساهم أو يسهّل ارتكاب جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية.
وشددت ألبانيزي على أن ما يحدث ليس مجرد إخفاق في إنفاذ القانون، بل نتيجة مباشرة لنظام دولي استعماري يتعامل مع الفلسطينيين كأقل استحقاقاً للعدالة والحماية، واصفة هذا النظام بأنه قائم على ازدواجية المعايير، حيث تُرفع شعارات القانون الدولي في وجه الضعفاء، وتُغضّ الأنظار عن الجرائم حين يكون الجاني حليفاً سياسياً أو عسكرياً.
ويسلط ما كشفته ألبانيزي الضوء على الوجه القانوني للأزمة الفلسطينية، بوصفها ليست نزاعاً سياسياً فحسب، بل جريمة دولية مستمرة تجري أمام أعين العالم.
ومع تزايد الأدلة على الطابع المنهجي والمقصود لهذه الجرائم؛ تصبح مسؤولية المجتمع الدولي – أخلاقياً وقانونياً – التحرك نحو المساءلة الفعلية، ووقف حالة الإفلات من العقاب التي سمحت بتحوّل الاحتلال من سلطة احتلال إلى سلطة إبادة.
























