عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا مساء الخميس الموافق 2 يناير/كانون الثاني 2025، نظمت ندوة بعنوان “استهداف كمال عدوان يعكس حملة ممنهجة للقضاء على القطاع الصحي بالكامل في غزة” تناولت الاستهداف المنهجي والمتعمد لمرافق الرعاية الصحية في غزة من قبل السلطات الإسرائيلية. سلطت الندوة الضوء على العواقب الكارثية لتدمير نظام الرعاية الصحية في غزة خلال الحرب الأخيرة، وكشفت عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي والتأثير المدمر على حياة المدنيين الفلسطينيين. ومن بين القضايا الحرجة التي تمت مناقشتها اعتقال العاملين في مجال الرعاية الصحية، بما في ذلك الدكتور حسام أبو صفية، وهو متخصص طبي بارز في غزة تم اعتقاله تعسفيًا من قبل القوات الإسرائيلية. يسلط اعتقاله، إلى جانب آخرين، الضوء على المخاطر الشديدة التي يواجهها العاملون الطبيون الذين يعملون تحت الحصار والقمع المستهدف لمقدمي الرعاية الصحية في مناطق الصراع.
تضمنت الندوة نخبة من الأطباء الدوليين الذين كانوا شهود عيان على المجازر المرتكبة بحق الفلسطينيين في غزة كونهم كانوا جزءًا من الفرق الطبية التي سافرت هناك منذ بدء الإبادة الجماعية، وهم الدكتور مارك بيرلموتر، جراح اليد؛ الدكتور محمد أبو مغيصب، ممثلاً لمنظمة أطباء بلا حدود؛ الدكتور جيمس سميث، طبيب طوارئ؛ الدكتور جنيد سلطان، جراح أوعية دموية؛ الدكتور ياسر خان، جراح عيون؛ والدكتورة دوروتيا غوتشياردو، مديرة التنمية لمنظمة غليا الإنسانية.
كما شاركت في الندوة الدكتورة تلالينغ موفوكينغ، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالحق في الصحة، قدمت خلالها رؤى متعمقة حول العلاقة بين حقوق الصحة والقانون الإنساني الدولي في ضوء الانتهاكات والجرائم الوحشية التي يرتكبها الاحتلال ضد المدنيين هناك.
بدأ الدكتور محمد أبو مغيصب كلمته بتسليط الضوء على الصعوبات والعراقيل التي يواجهها نظام الرعاية الصحية في غزة بشكل عام، والتي تفاقمت بسبب عقود من العُزلة والحصار التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي، موضحًا أنه حتى قبل السابع من أكتوبر، كان قطاع الرعاية الصحية في غزة في حالة هشة، مع نقص مستمر في الإمدادات الطبية، لافتًا أن 50٪ من المواد الأساسية غالبًا ما تكون غير متوفرة، فضلًا عن التضييقات الكبيرة التي كان يواجهها أي طلب لإحالة المرضى إلى الخارج للعلاج المتخصص.
وأوضح الدكتور محمد أن هذه الهشاشة تفاقمت بسبب العدوان الإسرائيلي الذي لم يتوقف على مر السنين، والتي تم خلالها استهداف المستشفيات ومرافق الرعاية الأولية بشكل متكرر.
وصف الدكتور أبو مغيصب كيف تدهور الوضع بشكل كبير بعد السابع من أكتوبر، حيث شمل العدوان الإسرائيلي استهدافًا ممنهجًا للمستشفيات الكبرى في غزة، مثل مستشفى الشفاء، أكبر مستشفى في المنطقة، والذي واجه أوامر الإخلاء، بالإضافة إلى مستشفى ناصر في خان يونس والمستشفيات في رفح. وكان مستشفى كمال عدوان، الذي كان بمثابة مقدم الرعاية الصحية الرئيسي لمنطقة شمال غزة، بما في ذلك جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، أحد آخر المستشفيات التي تم استهدافها بشكل مباشر. وأدان الهجمات المباشرة على مستشفى كمال عدوان واعتقال الدكتور حسام أبو صفية وفريقه، ووصف هذه الممارسات الوحشية بأنها جزء من حملة أوسع نطاقاً من التطهير العرقي والتهجير القسري.
وأوضح الدكتور أبو مغيصب أن منطقة شمال غزة تُركت بدون أي بنية تحتية للرعاية الصحية، موضحًا أن المستشفيات مثل المستشفى الإندونيسي ومستشفى العودة بالكاد تعمل، ولا يمكن للمرضى أو الموظفين الوصول إليها. وقد أدى غياب الرعاية الطبية، إلى جانب الحصار الذي يمنع دخول الضروريات الأساسية مثل الغذاء والماء، إلى خلق أزمة إنسانية لا يمكن تصورها، مضيفًا أن فرق “أطباء بلا حدود” اضطرت إلى المغادرة بسبب الظروف القاسية ومخاوف سلامة أسرهم.
وفي كلمته الختامية، أكد الدكتور أبو مغيصب على الحاجة الملحة لحماية العاملين في مجال الرعاية الصحية وضمان عدم استهداف الطواقم الطبية في الصراعات، ودعا إلى الإفراج الفوري عن جميع الأطباء والعاملين في المجال الصحي المعتقلين، مطالبًا المجتمع الدولي بالضغط من أجل وقف إطلاق النار المستدام للسماح باستئناف تقديم الرعاية الصحية. وكرر ممثلاً لمنظمة أطباء بلا حدود دعوة المنظمة لحماية أنظمة الرعاية الصحية والحاجة الملحة لإنهاء الحرب لوضع حد لمعاناة أهالي غزة.
الدكتور جنيد سلطان بدأ كلمته بتسليط الضوء على العواقب الكارثية للهجمات الإسرائيلية على قطاع الرعاية الصحية في غزة، وخاصة في الشمال، حيث يظل المدنيون تحت الهجوم المستمر دون أي وصول إلى الرعاية الطبية. وأشار إلى أن المستشفيات مثل الأهلي والوفاء، والتي كان من الممكن أن توفر خدمات أساسية، تعرضت أيضًا للهجوم، مما أسفر عن مقتل سبعة من العاملين في مجال الرعاية الصحية في الوفاء. وأكد أن حرمان السكان من الرعاية الصحية يشكل انتهاكًا خطيرًا للقوانين الإنسانية الدولية، ويعتبر أحد أشكال الإبادة الجماعية التي لا تقل آثارها خطورة عن آثار الحرب النووية.
ووصف الدكتور سلطان الاستهداف المنهجي لمستشفى كمال عدوان، الذي كان بمثابة مقدم رعاية صحية أساسي لشمال غزة، شارحًا بالتفصيل الحصار المستمر الذي استمر قرابة ثلاثة أشهر حتى التدمير النهائي للمستشفى، إلى جانب اعتقال مديرها الدكتور حسام أبو صفية. وأوضح أنه تم تدمير المرافق الأساسية للمستشفى، بما في ذلك وحدات العناية المركزة وخزانات الأكسجين والمولدات، عمدًا. وعلى الرغم من مناشدات الدكتور أبو صفية المتكررة للمجتمع الدولي للتدخل لإنقاذ المستشفى من الدمار، قوبلت هذه المناشدات بالتجاهل التام. ووصف الدكتور سلطان هذه الإجراءات بأنها ليست فقط انتهاكات للقانون الإنساني الدولي، بل وأيضًا لاتفاقيات جنيف ونظام روما الأساسي، مؤكدًا على ضرورة مساءلة المتورطين في هذه الجريمة البشعة.
ودعا الدكتور سلطان الجمعيات الطبية العالمية والهيئات الدولية إلى اتخاذ خطوات عملية لدعم القوانين الإنسانية الدولية، مقارنًا ذلك بالإجراءات السريعة التي اتخذت أثناء الصراع في أوكرانيا. وأدان الدكتور سلطان النفاق والمعايير المزدوجة التي سمحت لمثل هذه الفظائع في غزة بالاستمرار دون رادع، وحث على اتخاذ تدابير ثابتة لا لبس فيها في جميع الصراعات العالمية.
وفي كلمته الختامية، دعا الدكتور سلطان إلى وقف فوري لإطلاق النار، مدينًا تواطؤ الحكومات الغربية في توريد الأسلحة لإسرائيل، وحثها على وقف دعمها والامتناع عن تمكين جرائم الحرب والإبادة الجماعية. وشدد على الحاجة الملحة إلى اتخاذ تدابير عملية لحماية العاملين في مجال الرعاية الصحية والمرافق الصحية، مسلطاً الضوء على التناقض بين الاستجابات العالمية للصراعات، وخاصة التناقض الصارخ مع الإجراءات المتخذة أثناء الحرب في أوكرانيا.
وأكد الدكتور سلطان على ضرورة فتح ممرات إنسانية لتوفير الموارد الأساسية لإعادة بناء البنية التحتية للرعاية الصحية المدمرة في غزة، كما سلط الضوء على محنة الأطباء والطلاب الصغار الذين تأثر مستقبلهم بشدة بهذا العدوان الغاشم، وحث المجتمع الدولي على تقديم كل الدعم اللازم لهذه الفئات.
واختتم كلمته برسالة قوية، مؤكداً أن إخفاق المجتمع الدولي في التصرف بشكل حاسم وعملي لا يهدد حياة أهالي غزة فحسب، بل إنه يشكل سابقة خطيرة يمكن أن تشجع على ارتكاب فظائع مماثلة في أماكن أخرى في العالم، داعيًا إلى اتخاذ إجراءات فورية ومنسقة لدعم القانون الإنساني الدولي واستعادة الحقوق الأساسية والكرامة للمتضررين.
تحدث الدكتور ياسر خان عن تجاربه الشخصية من زياراته المتعددة إلى غزة ضمن الوفود الطبية المختلفة، مبينًا الحالة المزرية لنظام الرعاية الصحية حتى قبل الحرب الحالية. وفي معرض حديثه عن فترة عمله في مستشفى غزة الأوروبي في عامي 2023 و2024، روى كيف تم تدمير مجمع ناصر، وتهجير المرضى، وترك البنية التحتية الطبية في حالة خراب ودمار شامل. ووصف الاستهداف المنهجي لمرافق الرعاية الصحية والعاملين فيها بأنه انتهاك صارخ للمبادئ الإنسانية والقانون الدولي والكرامة الإنسانية الأساسية.
كما سلط الدكتور خان الضوء على استهداف مستشفى كمال عدوان، حيث تم اعتقال الأطباء والممرضين العاملين به، مثل الدكتور حسام أبو صفية، وتعريضهم لمعاملة غير إنسانية. ووصف ذلك بأنه هجوم مباشر على الإنسانية، مشيرًا إلى أن العاملين في مجال الرعاية الصحية يجب أن يُعاملوا كطرف محايد ولا ينبغي استهدافهم أبدًا. وأكد أن هذه الممارسات الإسرائيلية تُشكل جرائم حرب بموجب القانون الدولي، وتنتهك المادة 18 من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تنص على حماية الطواقم الطبية.
وشدد على العواقب الكارثية لهذه الهجمات، التي دفعت نظام الرعاية الصحية في غزة إلى الانهيار، مما أسفر عن آلاف الوفيات التي كان من الممكن منعها. وأشار الدكتور خان إلى التقديرات الأخيرة التي تشير إلى أن أكثر من 300 ألف شخص لقوا حتفهم بسبب الآثار المشتركة للحرب والحرمان والافتقار إلى الرعاية الطبية، لافتًا أن المصابون يواجهون ما وصفه “حكم بالإعدام” في غياب الرعاية الصحية المطلوبة.
وأدان الدكتور خان إخفاق المجتمع الدولي في حماية العاملين في مجال الرعاية الصحية معتبرًا إياه فشلاً أخلاقياً وقانونياً، محذراً من أنه يقوض المعايير العالمية ويدعو إلى المزيد من الانتهاكات للمبادئ الإنسانية. كما سلط الضوء على الندوب النفسية والمجتمعية طويلة الأمد التي ستستمر عبر الأجيال، مما سيجعل غزة بحاجة إلى المساعدات الدولية لعقود من الزمن.
وفي كلمته الختامية، حدد الدكتور خان خطوات عاجلة لمعالجة الأزمة، داعيًا إلى الإفراج الفوري عن جميع العاملين في مجال الرعاية الصحية المعتقلين، بما في ذلك الدكتور حسام أبو صفية، وإنهاء الهجمات على العيادات والمستشفيات. وأكد على الحاجة إلى احترام القانون الإنساني، وإنفاذ اتفاقيات جنيف، وتأمين وقف إطلاق النار لوقف الإبادة الجماعية. بالإضافة إلى ذلك، أكد على أهمية التخطيط للمستقبل من خلال إعادة بناء نظام الرعاية الصحية في غزة، من البنية التحتية إلى تدريب طلاب الطب. واختتم كلمته بالإشادة بنماذج بطولية مثل الدكتور حسام أبو صفية، وحث المجتمع الدولي على الالتفاف حول محنتهم باعتبارها دعوة ملموسة وعاجلة للتحرك.
الدكتور مارك بيرلموتر شارك كذلك تجربته الشخصية في العمل في مستشفى غزة الأوروبي، حيث روى التحديات الشديدة التي واجهها العاملون في مجال الرعاية الصحية والمرضى أثناء الحرب. وسلط الضوء على الاستهداف المنهجي للعاملين في مجال الرعاية الصحية، بما في ذلك استخدام “قنابل التنغستن” غير القانونية وبنادق القنص عالية السرعة التي تسببت في إصابات مدمرة. ووصف الدكتور بيرلموتر كيف تم إطلاق هذه الأسلحة في قنابل عنقودية، مما ترك جروحًا خارجية طفيفة، ولكنه تسبب في أضرار داخلية كارثية. كما قدم روايات حية عن علاج الممرضين وغيرهم من العاملين في المجال الطبي الذين أصيبوا بإصابات غيرت حياتهم، مؤكدًا على أن الاستهداف المتعمد للعاملين في مجال الرعاية الصحية يعد جريمة حرب.
كما شارك الدكتور بيرلموتر إحدى قصص المرضى التي أثرت فيه بشكل شخصي، وهي حالة تامر، ممرض غرفة العمليات الذي أصيب برصاصة في ركبته من قبل جندي إسرائيلي أثناء رفضه التخلي عن مريض تحت التخدير. أدت الإصابة إلى تحطم ساقه، بالرغم من ذلك، تم احتجازه وتعذيبه وتجويعه لمدة 45 يومًا في سجن إسرائيلي. وعند إطلاق سراحه، أصيب تامر بجروح خطيرة، وفقد البصر في إحدى عينيه، ونجا من الموت بأعجوبة. ووصف الدكتور بيرلموتر الرحلة المروعة التي خاضها تامر للوصول إلى الرعاية الطبية، وشرح بالتفصيل المعاناة الشديدة والإهمال الذي واجهه، مبينًا أن هذه الحالة تجسد الانتهاكات المنهجية للقانون الدولي، بما في ذلك اتفاقيات جنيف ونظام روما الأساسي.
كما ألقى الدكتور بيرلموتر الضوء على الظروف المزرية في مستشفى غزة الأوروبي، حيث عمل مع المتطوعين في ظل قيود شديدة على الموارد، وتحدث عن نقص الإمدادات الطبية الأساسية، وفشل المعدات، ووجود عدد ضخم من المرضى بحاجة إلى الرعاية مقابل موارد بسيطة، وعلى الرغم من هذه التحديات، استمر الطاقم الطبي في تقديم الرعاية الحرجة في ظل ظروف مستحيلة.
وفي كلمته الختامية، ناقش الدكتور بيرلموتر الجهود الجارية لمعالجة أزمة الرعاية الصحية في غزة، وسلط الضوء على الاجتماعات، التي أجراها شخصيًا، مع أعضاء الكونغرس الأمريكي وصناع السياسات الآخرين للدفاع عن حماية العاملين في مجال الرعاية الصحية ووقف اعتقالهم وتعذيبهم. كما تحدث عن مبادرات لدعم طلاب الطب الفلسطينيين من خلال برامج التوظيف الدولية، مؤكداً على الحاجة إلى التمويل لضمان استمرار التعليم الطبي وإعادة بناء نظام الرعاية الصحية في غزة. كما دعا الدكتور بيرلموتر إلى اتخاذ إجراءات عالمية فورية لوقف استهداف العاملين في مجال الرعاية الصحية والبنية التحتية، مؤكدا أن الأزمة الإنسانية في غزة تتطلب اهتماما دوليا عاجلا ومستداما.
تناول الدكتور جيمس سميث في كلمته نتائج أحدث تقرير صادر عن مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بشأن الاستهداف المنهجي للبنية التحتية للرعاية الصحية في غزة والعاملين فيها، مسلطًا الضوء على نمط الهجمات الإسرائيلية المتعمدة على المستشفيات ومرافق الرعاية الصحية التي بدأت في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وتستمر دون هوادة. وشملت هذه الهجمات ضربات صاروخية وحصارًا وتدميرًا للبنية التحتية الحيوية.
وأكد الدكتور سميث أن التدمير المنهجي للنظام الصحي في غزة هو جزء من استراتيجية أوسع نطاقًا للإبادة الجماعية والتطهير العرقي، حيث يكون العاملون في مجال الرعاية الصحية أكثر عرضة للقتل بنحو 3.5 مرة من المدنيين في المهن الأخرى.
ولفت الدكتور سميث أن النظام الصحي في غزة كان هشًا حتى قبل أكتوبر/تشرين الأول 2023 بسبب سنوات من الحصار والاحتلال. ومع ذلك، فإن الانهيار الكامل للنظام الصحي الذي أُعلن عنه في أواخر عام 2023 كان بمثابة تتويج للهجمات المنهجية الإسرائيلية التي تهدف إلى حرمان الفلسطينيين من الوصول إلى الرعاية الطبية الأساسية. وأكد أن هذه الاستراتيجية تعمل على تضخيم التأثيرات المباشرة للعنف العسكري من خلال حرمان الناس من الضروريات الأساسية مثل الغذاء والماء والمأوى، مما يؤدي فعليًا إلى إجبارهم على النزوح الجماعي في ظل ظروف تجعل البقاء مستحيلًا.
وانتقد الدكتور سميث الاستجابة العالمية في التعامل مع الكارثة الإنسانية في غزة، مشيرًا إلى أن تأطير الوضع في غزة باعتباره صراعًا مسلحًا وليس إبادة جماعية أدى إلى اتخاذ تدابير غير كافية لمعالجة الأزمة. كما طالب بتحول جذري في السرد، مؤكدًا أن الهجمات على غزة تحدث تحت ستار القانون الإنساني الدولي. ووفقًا للدكتور سميث، فإن هذا النظام القانوني ليس فاشلاً فحسب، بل إنه يعمل بطريقة تسهل الإبادة الجماعية المستمرة. وشدد على الحاجة إلى إعادة التفكير في اللغة والاستراتيجيات المستخدمة للدفاع عن الشعب الفلسطيني، والانتقال إلى ما هو أبعد من الدعوات إلى الالتزام بالقانون الدولي، الذي وصفه بأنه متواطئ في تمكين هذه الفظائع.
وفي رسالته الختامية، طالب الدكتور سميث بالإفراج الفوري عن الدكتور حسام أبو صفية وغيره من العاملين في مجال الرعاية الصحية المعتقلين في السجون الإسرائيلة. كما تحدث عن لقاء جمعه بالدكتور حسام أبو صفية خلال زيارته لغزة في شهر مايو/أيار، مشيدًا بتفانيه في إنقاذ الأرواح في ظل ظروف صعبة. وأدان الدكتور سميث الاعتقال غير القانوني والإساءة التي تعرض لها الدكتور حسام وزملاؤه، ووصف ذلك بأنه انتهاك مشين لحقوق الإنسان والقانون الدولي. وطالب الدكتور سميث بالسماح للجنة الدولية للصليب الأحمر والمنظمات الأخرى بالوصول الفوري إلى مرافق الاحتجاز، مشددًا على أهمية توفير الرعاية الطبية والسلامة للمعتقلين المفرج عنهم. واختتم حديثه بالحث على بذل جهود عالمية مستدامة لإنهاء العدوان الإسرائيلي على غزة، بما في ذلك الحصار والاحتلال المستمرين، لاستعادة الكرامة والحماية للشعب الفلسطيني.
الدكتورة دوروتيا غوتشياردو سلطت الضوء في كلمتها على حجم المعاناة الإنسانية الكارثية في غزة والتدمير المتعمد لنظام الرعاية الصحية، بما في ذلك مستشفى كمال عدوان الذي تم استهدافه وتدميره بشكل نهائي خلال الأسابيع الأخيرة. وشبهت الفظائع الحالية بالإبادة الجماعية في رواندا، مؤكدة على الطبيعة المروعة والمنهجية للعنف. وأدانت الدكتورة غوتشياردو الرواية القديمة التي تستخدمها السلطات الإسرائيلية لتبرير الهجمات على المرافق الصحية، ووصفتها بأنها لا أساس لها من الصحة وخادعة وعنصرية.
كما كشفت عن مزاعم إسرائيل المتكررة بأن المستشفيات مثل مستشفى كمال عدوان تُساء استخدامها لأغراض عسكرية، مؤكدة أن مثل هذه الاتهامات دحضت باستمرار من خلال العديد من التحقيقات، بما في ذلك تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية. كما أوضحت بالتفصيل كيف كانت هذه الادعاءات، على مر السنين، بمثابة مبررات استباقية لجرائم الحرب، وتحميل الفلسطينيين مسؤولية ارتكاب هذه الفظاعات بدلًا من محاسبة الإسرائيليين.
وتحدث الدكتورة غوتشياردو عن حجم الخسائر الذي لحقت بنظام الرعاية الصحية في غزة، مستشهدة ببيانات تظهر أن 33 مستشفى من أصل 36 مستشفى تضررت أو دمرت، وأن 17 فقط منها لا تزال تعمل جزئيًا. كما قُتل أكثر من 1000 عامل في مجال الرعاية الصحية، واعتقل 450، بما في ذلك الدكتور حسام أبو صفية. ووصفت اعتقال الدكتور حسام واختفائه بأنه رمز للجهود المنهجية لإسكات المدافعين عن حقوق الفلسطينيين، ووصفته بأنه جريمة حرب فظيعة.
كما وصفت الصورة المروعة لواقع نظام الرعاية الصحية الأولية المدمر في غزة، والذي كان يوفر في السابق خدمات طبية أساسية لملايين السكان سنويًا. واليوم، لا يزال أقل من 20٪ من مراكز الرعاية الصحية الأولية تعمل، وكثير منها تضرر بشدة وأصبح غير قادر على تلبية حتى الاحتياجات الصحية الأساسية. وقد أدى التفكيك المنهجي لهذه البنية التحتية، إلى جانب استهداف العاملين في مجال الرعاية الصحية، إلى حرمان سكان غزة من الوصول إلى الرعاية الطبية، مما أدى إلى تفاقم معاناتهم.
وفي ختام كلمتها، وجهت الدكتورة غوتشياردو نداءً قويًا إلى المجتمع الدولي، وطالبت باتخاذ إجراءات فورية وملموسة، بما في ذلك وقف إطلاق النار، وحظر الأسلحة على إسرائيل، وإنهاء الدعم الدبلوماسي والعسكري للسياسات الإسرائيلية. وأكدت على الحاجة الملحة للمساعدات الإنسانية غير المقيدة لإعادة بناء نظام الرعاية الصحية في غزة، ودعت إلى الإفراج الفوري عن الدكتور حسام أبو صفية وجميع العاملين في مجال الرعاية الصحية المعتقلين. كما حثت المجتمع الدولي على الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني المتأصلة في العيش خاليًا من العنف والفصل العنصري والاحتلال، مؤكدة أن التقاعس العالمي يؤدي إلى إدامة المعاناة والظلم الواقع على غزة.
المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالحق في الصحة الدكتورة تلالينغ موفوكينغ بدأت كلمتها بإدانة الإبادة الجماعية المستمرة في غزة باعتبارها تتويجًا لعقود من العنف الإمبريالي المنهجي والمستمر. وسلطت الضوء على الفظائع التي لا يمكن تصورها والتي حدثت على مدار الأيام الـ 450 الماضية، ووصفت تدمير البنية التحتية للرعاية الصحية في غزة كجزء من استراتيجية إسرائيل المتعمدة لحرمان الفلسطينيين من الكرامة الإنسانية الأساسية والحياة نفسها.
كما أعربت الدكتورة موفوكينغ عن قلقها البالغ إزاء الهجمات المستهدفة على نظام الرعاية الصحية في غزة، وروت كيف قُتل أكثر من 1000 عامل في مجال الرعاية الصحية، بما في ذلك الممرضات والمسعفين والأطباء، منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023. وأدانت المضايقات والاحتجاز والتعذيب على نطاق واسع للعاملين في المجال الطبي، بما في ذلك اعتقال واختفاء الدكتور حسام أبو صفية وأكثر من 128 عامل رعاية صحية آخرين. وأكدت أن هذه الإجراءات تُشكل انتهاكات واضحة للقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان، مؤكدة على فشل المجتمع العالمي، بما في ذلك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في التدخل بشكل حاسم لمنعها ووضع حد لها.
واستناداً إلى تفويضها كمقررة خاصة للأمم المتحدة، أكدت الدكتورة موفوكينغ أن الأراضي الفلسطينية تخضع لاحتلال غير قانوني، مما يلزم إسرائيل بحماية الحق في الحياة والصحة لجميع الأفراد. وقالت إن إسرائيل، بدعم من مليارات الدولارات من المساعدات والأسلحة من حلفائها الغربيين، أظهرت بدلاً من ذلك تجاهلاً غير نادم لهذه الالتزامات، مما أدى إلى إدامة الإبادة الجماعية مع الإفلات من العقاب.
وفي ختام كلمتها، دعت الدكتورة موفوكينغ إلى اتخاذ إجراءات عالمية فورية لمنع المزيد من الفظائع، وطالبت بالامتثال لأحكام محكمة العدل الدولية، والوقف الفوري للإبادة الجماعية، والإفراج عن جميع العاملين في مجال الرعاية الصحية المعتقلين، بما في ذلك الدكتور حسام أبو صفية. كما حثت الدول على إعطاء الأولوية لاستعادة الكرامة الفلسطينية في جميع مفاوضات وقف إطلاق ودعت إلى إنشاء تحقيقات مستقلة لمحاسبة الجناة.
وتعهدت الدكتورة موفوكينغ بمواصلة الدعوة إلى العدالة والمساءلة في خطاباتها القادمة أمام مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة للأمم المتحدة. وأشادت بالجهود البطولية التي يبذلها العاملون في مجال الرعاية الصحية الفلسطينية، ووصفتهم بالمدافعين عن الإنسانية الذين تمسكوا بالقسم الطبي في ظل أسوأ الظروف. وفي ختام كلمتها، أكدت أن الإبادة الجماعية تتعارض مع الحق في الصحة وطالبت بوقف فوري لإطلاق النار وإنهاء الاحتلال والعنف المنهجي ضد الفلسطينيين.