عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا ندوة عبر الإنترنت -مساء الثلاثاء 21 ديسمبر/كانون الأول- بعنوان “معاناة الأطفال الفلسطينيين تحت الاحتلال” لمناقشة الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة بحق الأطفال الفلسطينيين.
أدارت الندوة الناشطة الفلسطينية أسيل باروق، التي بدأت حديثها بمقتطفات من استغاثات أطفال فلسطينيين تعرضوا للتهجير القسري بعد هدم منازلهم من قبل سلطات الاحتلال، كما سلطت الضوء على المأساة التي يعيشها أطفال غزة بين الحصار والهجمات الجوية، وكذلك الإعدامات الميدانية المنهجية التي يتعرض لها أطفال الضفة الغربية المحتلة.
وذكرت “باروق” الجريمة الإسرائيلية البشعة التي هزت العالم بمقتل الطفل الفلسطيني “محمد الدرة” في غزة عام 2000 إبان الانتفاضة الفلسطينية الثانية بعد أن قتله الجنود بدم بارد رغم استغاثات والده، مشيرة أن ما حدث هو مشهد متكرر يواجهه الأطفال بصفة مستمرة تحت الاحتلال.
وفي كلمته تحدث الناشط الفلسطيني عايد أبو قطيش – مدير برنامج المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن الاطفال في فلسطين- عن حقوق الأطفال الفلسطينيين في القانون الدولي، والآليات المختلفة المتبعة لحماية حقوق هؤلاء الأطفال تحت الاحتلال.
في بداية كلمته، انتقد أبو قطيش تصنيف منظمة الدفاع عن حقوق أطفال فلسطين كتنظيم إرهابي من قبل سلطات الاحتلال، مشيراً أنها منظمة لا تهدف إلا لحماية حقوق الأطفال في المناطق المحتلة والمناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية، عبر رصد وتوثيق الانتهاكات التي يتعرضون لها سواء بالاستهداف المباشر كالقتل، أو بالتضييق عليهم في سبل الحياة المختلفة كالحرمان من التعليم والعلاج والتنقل.
فيما يتعلق بانتهاكات الاحتلال بحق الأطفال، أوضح أبو قطيش أنهم تمكنوا من رصد مقتل 2200 طفل فلسطيني منذ العام 2000، مشيراً أن ثلثيهم تقريباً قُتل في غزة الواقعة تحت الحصار، خاصة في فترات الهجمات الإسرائيلية على القطاع، كما حدث في مايو/أيار من هذا العام، لافتاً أن إسرائيل تستخدم القوة المميتة في التعامل مع الفلسطينيين ولا تلتزم بمبدأ التناسبية في استخدام الأسلحة.
كما تناول في كلمته الاعتقالات التعسفية والمحاكمات الجائرة التي يتعرض لها الأطفال، إذ يتم اعتقال ومحاكمة 700 طفل فلسطيني -تقريباً- سنوياً، يتعرضون لأشكال مختلفة من المعاملة غير القانونية والتعذيب والإهانة منذ اليوم الأول للاعتقال.
ولفت أبو قطيش أن الفترة الماضية -ومن خلال الرصد والتوثيق- لوحظ أن السلطات الإسرائيلية تستخدم المزيد من أساليب الضغط النفسي لانتزاع الأقوال من الأطفال الفلسطينيين أو التنكيل بهم.
وحول إفلات سلطات الاحتلال من العقاب، ركز السياسي الأمريكي البارز، البروفيسور نورمان فينكلشتاين، على هذا الجانب في كلمته، إذ سلط الضوء على العدوان الإسرائيلي على غزة خلال العقد الأخير، عام 2008 و2014 والعام الجاري، لافتاً إلا أنه بالرغم من وجود العديد من التقارير الحقوقية والأممية التي وثقت وانتقدت انتهاكات الاحتلال ضد المدنيين في غزة، لم يتعرض مسؤول إسرائيلي واحد لمساءلة قانونية حقيقية عن هذه الجرائم.
وقال ساخراً إنه “على حد علمي في العدوان الذي أدى إلى مقتل 350 طفلا وتدمير 6000 منزلاً، هناك ثلاثة إسرائيليين تم محاسبتهم على سرقة بطاقة ائتمان… وفي العدوان الذي أدى إلى مقتل 550 طفلا فلسطينيا، وتدمير 18000 منزلاً هناك ثلاثة إسرائيليين أُحيلوا للتحقيق لاتهامهم بسرقة بضع مئات من الدولارات – ستمائة دولار تقريباً-“.
وأضاف “هذه هي المسائلات التي يتعرض لها الإسرائيليون، لم يتم محاكمة زعيم إسرائيلي واحد، لم يتم إدانة جندي إسرائيلي واحد جنائياً… لا توجد دولة في العالم يمكنها الاستمرار في الإفلات من العقاب مثل دولة إسرائيل”.
وتابع “إسرائيل تفرض حصاراً على غزة منذ أكثر من عقد من الزمان، بل منذ عام 1948 لأنه يجب ألا ننسى أن 70 من سكان غزة هم لاجئون بموجب القانون الدولي، 70 عاماً من الاحتلال حولت 70٪ من السكان إلى لاجئين… أجيال متعاقبة، كانوا أطفالاً واليوم هم أجداد لأطفال يعيشون نفس المعاناة.. نتحدث عن 70 عامًا من اللجوء ثم ضاعفها حصار القرون الوسطى الذي تم فرضه منذ عام 2006… ما يقرب من 15 عامًا من الحصار غير الأخلاقي غير القانوني لغزة بشكل كامل، ومع ذلك هناك إفلات تام من العقاب، ليس هناك أي مساءلة يتعرض لها أي مسؤول في إسرائيل”.
كما تحدث فينكلشتاين عن جرائم إسرائيل الوحشية هناك حيث قال “هناك تقارير ضخمة توثق استهداف إسرائيل للمستشفيات، ولسيارات الإسعاف، والكوادر الطبية… مسيرات العودة الضخمة عام 2018 كانت أكبر دليل على ذلك، ومع ذلك، لم يتعرض أحد من مرتكبي تلك الجرائم للمحاسبة”.
شاركت في الندوة أيضاً، الطفلة الفلسطينية جنى التميمي (15 عاماً) والمُلقبة بأصغر صحفية في فلسطين- والتي نقلت تجربتها الشخصية باعتبارها طفلة نشأت وقضت عمرها بأكمله تحت الاحتلال.
قالت جنى – إن “العيش تحت الاحتلال الإسرائيلي يعني أن كافة جوانب حياتك حرفياً مهددة بالخطر، ولا يمكن ضمان أي حق من حقوقك الأساسية… كونك فلسطيني هذا يعني أنك مواطن من الدرجة الثانية معرض للتمييز والعنصرية في كل الأوقات”.
وأضافت “يتم انتهاك الطفولة بالكامل، بل يتم انتهاك كافة الحقوق كالحق في التعليم، على سبيل المثال مدرستي التي تبعد عن المنزل مسافة 30 دقيقة على الأكثر، أستغرق ثلاث ساعات على الأقل للوصول إليها بسبب نقاط التفتيش الإسرائيلية والحواجز المنتشرة في كل مكان… نحن غير قادرون حتى على الذهاب للمدارس بصورة طبيعية”.
وتابعت “يتم انتهاك الحق في التنقل لأي مكان بسبب تلك الحواجز العسكرية، لا نشعر بالأمان حتى في وجود آبائنا، الحق في الحصول على رعاية صحية مناسبة يتم انتهاكه أيضاً”.
وبينت أن الوضع مرعب في الأراضي المحتلة بالنسبة للأطفال على وجه الخصوص، حيث يتم مهاجمة المدارس والاعتداء عليها من قبل جنود الاحتلال بالرصاص الحي وغيره من الأسلحة التي تسلب الأطفال أي شعور بالأمان، فضلاً عن وجود الكثير من الأطفال بلا مأوى بعد طرد عائلاتهم من منازلهم بالقوة.
كما تحدثت “التميمي” عن الاعتقالات التعسفية التي تطال الأطفال، والتي بموجبها يتم انتهاك حقوقهم في محاكمة عادلة أو معاملة كريمة تليق بكونهم أطفالاً، بل وصفت “التميمي” أن التهم التي يتم اعتقال الأطفال بسببها هي “غبية وغير منطقية” تتعلق بنشرهم صوراً أو مقاطع فيديو توثق انتهاكات جنود الاحتلال على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأوضحت أن الأطفال يتعرضون للضرب والتعذيب منذ لحظة الاعتقال، ويتم حرمانهم من التواصل مع محامي، كما يحرمون تماماً من زيارة الأهل، فضلاً عن وسائل الضغط النفسي والترويع التي يتعرض لها الأطفال داخل مقار الاحتجاز وفي جلسات التحقيق.
سلطت “التميمي” الضوء أيضاً على معاناة أطفال قطاع غزة التي وصفته جنى بأنه “أكبر سجن مفتوح في العالم”، حيث الكهرباء المنقطعة بصفة مستمرة، والنظام الطبي المهترئ الذي دمره الاحتلال باستهداف المستشفيات، أو الحرمان من العلاج بسبب عدم توافر الأدوية اللازمة بفضل الحصار المستمر منذ أكثر من 15 عاماً، بالإضافة إلى حرمانهم من الحق في التعليم والتنقل مثل بقية أطفال فلسطين.
وفي كلمتها الختامية، ناشدت “التميمي” أصحاب الضمائر الحية والنشطاء حول العالم بمساندة أطفال فلسطين والتضامن معهم، ونقل صوتهم ومعاناتهم للعالم أجمع من أجل انقاذهم من الحياة المزرية التي يفرضها عليهم الاحتلال.