عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا مساء الخميس 18 مايو/أيار 2023 ندوة حول الإفلات من العقاب الذي يتمتع به الاحتلال الإسرائيلي وتأثير الصمت الدولي تجاه جرائمه بحق الشعب الفلسطيني.
أدارت الندوة الباحثة في جامعة أكسفورد رُبى الصليبي، بحضور ومشاركة خبراء وأكاديميين ونشطاء وصحفيين وباحثين بارزين لإلقاء الضوء على خطورة الوضع ومناقشة الحلول العملية لحماية الشعب الفلسطيني وإحالة القادة الإسرائيليين المسؤولين عن هذه الجرائم للمحاكمة الدولية.
شارك في الندوة كاتي فالون – مديرة قسم المناصرة في الحملة ضد تجارة الأسلحة، وميرندا كليلاند –قسم المناصرة في منظمة الدفاع عن الأطفال فلسطين، ومارك سيدون الإعلامي البريطاني ومدير مركز دراسات الأمم المتحدة بجامعة باكنغهام والمستشار الإعلامي للأمين العام للأمم المتحدة الأسبق بان كي مون، ود. رمزي بارود – كاتب وصحفي فلسطيني/أمريكي، وطارق خليل – منسق قسم التعليم في منظمة المسلمون الأمريكيون من أجل فلسطين، وأحمد أبو الفول- محامي دولي ومدير قسم المناصرة في منظمة الحق، زوي لافرتي – مديرة أرتيستس فرونتلاين، وشاينا لو- المستشار الإعلامي في المجلس النرويجي للاجئين.
في كلمتها، أعربت كاتي فالون -من الحملة ضد تجارة الأسلحة- عن تضامنها الكامل مع الشعب الفلسطيني محذرة من تصاعد العنف الإسرائيلي في ظل استمرار المملكة المتحدة في تصدير الأسلحة للاحتلال.
وبينت فالون أنه منذ عام 2015، منحت المملكة المتحدة رخص أسلحة بما لا عن 474 مليون جنيه إسترليني لإسرائيل، مشيرة أن الرقم الحقيقي ربما يكون أعلى بكثير بسبب نظام الترخيص الغامضة، لافتة أن الأسلحة المصدرة لإسرائيل تشمل التكنولوجيا العسكرية والطائرات والمروحيات والطائرات بدون طيار والقنابل اليدوية والصواريخ والمدرعات والأسلحة الصغيرة، وغيرها من الأسلحة المختلفة، التي يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي في قصف المدن الفلسطينية، بما في ذلك العدوان الأخير الذي تم على غزة.
كما سلطت فالون الضوء على تورط المجتمع الغربي في تسليح إسرائيل وليس فقط المملكة المتحدة، مشيرة إلى أن إسرائيل تعتمد على الولايات المتحدة في إمدادها بالطائرات المقاتلة F35.
وأكدت فالون أن هذه الأسلحة وأعربت عن إحباطها من غموض حكومة المملكة المتحدة فيما يتعلق باستخدام أسلحة بريطانية الصنع ضد الشعب الفلسطيني.
وانتقدت فالون اللوائح الحالية لتصدير الأسلحة في المملكة المتحدة، مشددة على ضرورة سن تشريعات جديدة تحظر منح تراخيص الأسلحة حين يوجد خطر واضح من استخدام هذه العناصر لارتكاب قمع داخلي وجرائم تنتهك القانون الإنساني الدولي.
واختتمت فالون بإعادة التأكيد على دعوة CAAT لحكومة المملكة المتحدة أن تحظر مبيعات الأسلحة والدعم العسكري المقدمين للقوات الإسرائيلية، والذي يشمل التدريب وغيرها من الأمور اللوجستية، كما دعت إلى إجراء تحقيق في “احتمالية استخدام أسلحة بريطانية ضد مدنيين فلسطينيين”.
وفي كلمته، سلط طارق خليل -من منظمة المسلمون الأمريكيون من أجل فلسطين- الضوء على المعاناة المستمرة التي يعاني منها الفلسطينيون في كل مكان، مشددًا على أهمية أن يعي العالم “الكارثة” التي يعاني منها الفلسطينيون نتيجة التفكك، والتطهير العرقي، والتهجير القسري، وسلب كافة حقوقهم الطبيعية.
وشدد خليل في خطابه على ضرورة النظر إلى ما يحدث من الاحتلال الإسرائيلي باعتباره مخطط منهجي من القهر والقمع يهدف لمحو الفلسطينيين والقضاء عليهم.
ولفت خليل إلى التغير التاريخي في التعامل مع القضية الفلسطينية داخل الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن العديد من المنظمات الحقوقية البارزة ونتائج استطلاعات الرأي بين الأجيال الشابة أصبحت تنظر لإسرائيل على أنها دولة فصل عنصري بسبب ما ترتكبه ضد الفلسطينيين من جرائم بشعة معروفة لدى الجميع.
وأكد خليل على أهمية الاعتراف بأن إسرائيل الحالية هي في الأساس فكرة صهيونية، موضحًا أن الصهيونية هي أيديولوجية قومية أوروبية مشبعة بمشروع استعماري استيطاني، وجميعها أفكار تعتبر جذور للفصل العنصري، لافتًا أن إسرائيل لم تتحول إلى دولة فصل عنصري بمرور الوقت، ولكنها تأسست على هذا النحو منذ البداية.
واختتم خليل كلمته داعيًا العالم للتكاتف والتضامن مع الشعب الفلسطيني، مشيدًا بدور منظمات المجتمع الدولي والحركات الشعبية في نشر الوعي حول مأساة الفلسطينيين على يد الإسرائيليين، كما دعا إلى ضرورة بذل مزيد من الجهد من أجل إحالة الإسرائيليين للمساءلة أمام المحكمة الجنائية الدولية التي اتخذت بالفعل قرارًا بفتح تحقيق في الجرائم الإسرائيلية، لكن لم يدخل حيز التنفيذ حتى الآن.
مارك سيدون، الإعلامي البريطاني ومدير مركز دراسات الأمم المتحدة بجامعة باكنغهام والمستشار الإعلامي للأمين العام للأمم المتحدة الأسبق بان كي مون، بدأ كلمته بالإشادة بزيادة الوعي الشعبي في المملكة المتحدة بما يحدث للفلسطينيين لافتًا أن هذا اتضح جليًا في الذكرى الـ 75 للنكبة والفعاليات الجماهيرية التي صاحبت ذلك تنديدًا بالاحتلال الإسرائيلي.
ولفت سيدون أن سبب تزايد الوعي يرجع بشكل أساسي إلى قوة تأثير وسائل الاجتماعي التي ساهمت بشكل كبير في منح الفلسطينيين في الأراضي المحتلة منبرًا لنقل قصصهم للعالم وتوثيق ما يحدث إليهم، لافتًا أنه شخصيًا يجري عشرات المقابلات مع الفلسطينيين لسرد معاناتهم والانتهاكات المروعة التي تحدث إليهم على يد الاحتلال.
خلال كلمته، سلط سيدون الضوء على عدد من الجرائم الإسرائيلية والانتهاكات المروعة، بدءً باعتقال الأطفال الذين يبلغ عددهم نحو 500 طفل في السجون الإسرائيلية، مرورًا بالاستخدام المفرط لقوانين الطوارئ التي وضعها البريطانيون خلال فترة الانتداب في فلسطين، والتي تشل حركة الحياة في فلسطين.
وشدد سيدون في كلمته على أن بريطانيا تتحمل مسؤولية تاريخية لما يتعرض له الفلسطينيون على يد الاحتلال الإسرائيلي مرجعًا ذلك إلى دورها في “وعد بلفور” وما ترتب عليه من فظائع بعد ذلك طوال الـ75 عامًا الماضية.
وانتقد سيدون المملكة المتحدة لعدم اعترافها بفلسطين كدولة، مضيفًا أنه بالرغم من وجود أكثر من 140 قرارًا حول فلسطين منذ عام 1947 تنتهك بريطانيًا هذه القرارات ضمنيًا من خلال استمرار التجارة مع إسرائيل دون الاعتراف باحتلال الأراضي الفلسطينية.
كما انتقد سيدون الولايات المتحدة بسبب تقديمها دعمًا ماليًا كبيرًا لإسرائيل كل عام، ولفت الانتباه إلى التناقض الصارخ ونفاق القوى الغربية التي تدعم أوكرانيا ضد المحتلين الروسي بينما تقوم في نفس الوقت بتسليح إسرائيل ضد الفلسطينيين.
واختتم سيدون كلمته بالتشديد على ضرورة الضغط على الأحزاب السياسية في المملكة المتحدة قبل الانتخابات العامة، مذكرا جمهوره بالتزام حزب العمل بالاعتراف بدولة فلسطين، مشيرًا أن الوعي المتزايد يمكن أن يؤثر على الانتخابات العامة وربما يقلب الموازين نحو حل أكثر عدلاً لفلسطين.
الكاتب والصحفي الفلسطيني الأمريكي رمزي بارود بدأ كلمته بالتأكيد على أن النكبة مستمرة منذ 75 عامًا، وليست مجرد ذكرى، منتقدًا التخاذل الدولي الذي شجع قادة الاحتلال على ارتكاب المزيد من الجرائم بدلًا من محاسبتهم على النكبة وما تلاها من انتهاكات وجرائم بالرغم من توثيقها لدى الجهات الدولية المختلفة.
وسلط بارود الضوء على العنف الإسرائيلي المتصاعد منذ عقود، لافتًا أن كل عام يرتكب الاحتلال مجازر ويشن هجمات على الفلسطينيين، وبالرغم من ذلك، وبالرغم من أن المجتمع الدولي، بما فيه الأمم المتحدة، على دراية كاملة في الوضع في فلسطين فإنه لا يُتخذ أي إجراء فعال لوقف الانتهاكات الإسرائيلية.
وشدد بارود على أن الأزمة ليس سببها نقص المعرفة، بل الافتقار إلى الإرادة السياسية لاتخاذ الإجراءات المناسبة لمحاسبة الإسرائيليين والانتصاف للفلسطينيين، لافتًا إلى أن العلاقات القوية التي تجمع بين إسرائيل وبعض الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية تجعلهم يعرقلون أي محاولة لمحاسبتها ومساءلة قادتها.
وانتقد بارود رد فعل المجتمع الدولي على ممارسات إسرائيل، خاصة ما تفعله دول مثل الولايات المتحدة وألمانيا وأستراليا، لعرقلة العدالة، مشيرًا إلى ما حدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون، المتورط في جرائم حرب خلال مذبحة صبرا وشاتيلا عام 1982، حيث ضغطت الولايات المتحدة على بلجيكا ليس فقط لإسقاط القضية ضد شارون، ولكن أيضًا لإعادة هيكلة أجهزتها القانونية من أجل منع إجراء محاكمات مماثلة في المستقبل
كما انتقد بارود موقف المحكمة الجنائية الدولية من جرائم الاحتلال الإسرائيلي، مدينًا تراخيها في الالتزام بقرارها بفتح تحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية في فلسطين، مشيرًا إلى أن مخصصات الميزانية لمثل هذه التحقيقات لا تزال منخفضة، مما يشير إلى عدم وجود نية للمضي قدمًا في القضية.
كما قارن موقف الجنائية الدولية من فلسطين بموقفها السريع والحاسم حين تعلق الأمر بفتح تحقيق ضد بوتين لما ارتكبه من جرائم حرب في أوكرانيا.
الفنانة المسرحية البريطانية زوي لافرتي كانت ضمن النشطاء الذين انضموا للندوة، وسلطت الضوء في كلمتها على أهمية ودور الفن بمختلف أنواعه في دعم المقاومة ومساعدة الضحايا على إيصال صوتهم للعالم ونقل قصتهم وجذب التضامن الدولي.
ونقلت لافرتي في كلمتها تجربتها في مخيم جنين في الأراضي المحتلة، والتي استمرت لمدة 13 عامًا رصدت ووثقت خلالها كفاح الشعب الفلسطيني ومعاناته على يد الاحتلال الإسرائيلي.
وتحدثت عن مشروع أنشأته في المخيم مع جماعتها يُسمى “وعد الثورة” بالتعاون مع زكريا الزبيدي والمخرج جوليانو مير، هدفه نقل الواقع الحقيقي في المخيم كما يحدث للعالم، واصفة إياه بأنه كان منارة الأمل وسط كل الاحباطات والاضطرابات التي حاصرهم بها الاحتلال الإسرائيلي.
واختتمت زوي لافرتي كلمتها بدعوة إلى العمل، ونداء العالم للانتباه والاستماع لما يحدث في فلسطين، مشددة على أن الفن رغم بساطته، إلا أنه أداة قوية في وجه الطغيان والقمع والفصل العنصري الإسرائيلي، مضيفة أنه مفتاح لبناء جسور التفاهم وتعزيز التضامن الدولي مع القضية الفلسطينية.
في كلمته، سلط أحمد أبو فول -المحامي الدولي ومسؤول المناصرة في منظمة الحق الفلسطينية- الضوء على حرمان الفلسطينيين من الحق في تقرير المصير بسبب ممارسات الاحتلال الإسرائيلي القمعية والآخذة في الازدياد.
وتحدث أبو فول عن تقسيم الشعب الفلسطيني إلى درجات جميعهم محرومون من حقوقهم، البعض يحمل الجنسية الإسرائيلية ويعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية داخل الحدود التي يدعي الاحتلال أنها دولته، فيما يوجد فلسطينيون في القدس مع تصاريح إقامة غير مستقرة وتهديدات الإبعاد، وفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة يعيشون تحت الحكم العسكري منذ أكثر من 55 عامًا، واللاجئين الفلسطينيين المنتشرين في جميع أنحاء العالم والذين يُحرمون من حق العودة.
كما تحدث أبو فول عن الحصار المفروض على غزة منذ 17 عامًا، واصفًا إياه بأنه حول القطاع إلى “سجن مفتوح” تسيطر فيه إسرائيل على كل جانب من جوانب الحياة الفلسطينية عبر نظام تصاريح الدخول والخروج، والحواجز، ونقاط التفتيش.
وألقى الضوء الإفلات المنهجي من العقاب الذي يتمتع به جنود الاحتلال والمستوطنون، وأرجع ذلك إلى النظام القضائي الإسرائيلي، والتشريعات، والأوامر العسكرية التي جميعها تدخل ضمن سياسات الفصل العنصري.
وفي ختام كلمته، دعا أبو فول المحكمة الجنائية الدولية إلى تسريع تحقيقها في الجرائم الإسرائيلية المرتكبة ضد الفلسطينيين، وأنهى حديثه بنقل اقتباس عن واختتم حديثه بالقول عن بنجامين فيرينش المدافع الدولي عن العدالة وآخر المدعين العامين في نورمبرغ “لا سلام بدون عدالة ولا عدالة بدون قانون “.
في كلمتها، سلطت شاينا لو، المستشارة الإعلامية في المجلس النرويجي للاجئين (NRC) ، الضوء على الكارثة الإنسانية المتزايدة في فلسطين وضغطت على المجتمع الدولي لمحاسبة السلطات الإسرائيلية.
ولفت لو الانتباه إلى التزايد الملحوظ في الآونة الأخيرة في أعمال العنف والهدم من قبل الاحتلال الإسرائيلي، مشيرة إلى أن العام الماضي كان الأكثر دموية بالنسبة للفلسطينيين منذ 2005 وفقًا لإحصاءات الأمم المتحدة التي رصدت مقتل 152 فلسطينيًا على الأقل بينهم 36 طفلًا.
وانتقدت لو المجتمع الدولي وإخفاقه في محاسبة المسؤولين الإسرائيليين والمتورطين في هذه الجرائم، مشيرة إلى أن هذا الاتجاه من العنف وانعدام المساءلة يفاقم من خطورة الوضع، لافتة إلى أنه خلال أقل من 5 أشهر هذا العام قُتل بالفعل 99 فلسطينيًا، من بينهم 18 طفلًا، في الضفة الغربية، فضلًا عن ضحايا العدوان الأخير على غزة والتي راح ضحيتها نحو 33 فلسطينيًا بينهم أطفال.
كما تحدث لو عن العنف المتصاعد للمستوطنين الإسرائيليين والذي لا يُقابل بأي نوع من المحاسبة والمساءلة، مبينة أنه وفقا للأمم المتحدة، نفذ المستوطنون 849 هجومًا أسفر خسائر بشرية وخسائر في الممتلكات، لافتة أن هذه الإحصاءات لا تعبر عن الواقع الحقيقي بسبب معايير الرصد لدى الأمم المتحدة.
وحذرت لو كذلك من التزايد المقلق في عمليات الهدم والتي ترتبط معظم الوقت بتوسيع المستوطنات، وعلى الرغم من الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي للتدخل وحماية هذه المجتمعات، قالت لو “لقد فشلوا في منع عمليات الهدم وما ينتج عنها من عمليات نقل قسري”.
واختتمت لو حديثها بدعوة المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات حاسمة وأكثر فعالية لمحاسبة السلطات الإسرائيلية، كما حثت الحكومات على تقديم ملخصات داعمة لحقوق الفلسطينيين إلى محكمة العدل الدولية.