عقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا ندوة مساء الخميس 3 أكتوبر/تشرين الأول 2024، بعنوان “بعد هجوم لبنان.. حرب شاملة في الأفق إذا لم يوقف العالم إسرائيل”، ركزت على توسع العمليات العسكرية الإسرائيلية من غزة إلى لبنان، مما أثار مخاوف بشأن حرب شاملة في المنطقة بأسرها، حيث ناقش الحضور انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي، ودور التحالفات الغربية في تعزيز هذه الانتهاكات وشرعنتها، والآثار الأوسع لهذه العمليات العسكرية على الاستقرار الإقليمي والعالمي.
وقد ضمت الندوة متحدثين بارزين من خلفيات متنوعة، وهم: سيد إبراهيم سيد نوح – رئيس الكتلة البرلمانية الماليزية من أجل فلسطين، كلوديا ويب – النائبة السابقة في البرلمان البريطاني، السفير مسعود معلوف – دبلوماسي لبناني سابق، وكريس غانيس – المتحدث الرسمي السابق للأونروا، وجيف هالبر – كاتب وناشط سياسي أمريكي/إسرائيلي، والبروفيسور مايكل لينك – المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان بالأرض الفلسطينية المحتلة، وإيدان وايت – مؤسس شبكة الصحافة الأخلاقية.
في بداية كلمته، أكد سيد إبراهيم، بصفته رئيس الكتلة البرلمانية الماليزية من أجل فلسطين، على الحاجة الملحة لخفض التصعيد في الشرق الأوسط، وحث إسرائيل وحلفائها بشكل خاص على إلى تهدئة التوترات المتصاعدة التي تزعزع استقرار المنطقة بشكل عاجل وتأخذها نحو حرب شاملة. وأشار إلى أن رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم أدان الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على لبنان وسوريا واليمن، ووصفها بأنها امتدادات للفظائع الإسرائيلية المستمرة ضد الفلسطينيين. كما أكد سيد إبراهيم أن هذه الإجراءات لا تخدم الطموحات السياسية فحسب، بل تضحي أيضًا بأرواح ملايين الأبرياء، مؤكدًا أن العمل الفوري ضروري لمنع صراع إقليمي أوسع.
وحذر من الوضع الكارثي الذي تعاني منه غزة، والذي يمتد الآن إلى لبنان، نتيجة للإبادة الجماعية وجرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل. وفي إشارة إلى اتفاقيات جنيف، سلط الضوء على انتهاكات إسرائيل، بما في ذلك الغارات الجوية والحصار واستهداف البنية التحتية المدنية، حيث تجاوز عدد القتلى في غزة 41000 ومئات الضحايا في لبنان-حتى الآن. وبحسب قوله، فإن التوسع الإسرائيلي في لبنان يعكس تجاهلاً صارخاً للقانون الإنساني الدولي، ويتجلى ذلك في الدمار الواسع النطاق واستهداف المدنيين بصورة متعمدة.
وانتقد سيد إبراهيم تقاعس المجتمع الدولي، وخاصة من هيئات مثل الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، والتي يرى أنها سمحت لإسرائيل بارتكاب هذه الانتهاكات مع ضمان الإفلات من العقاب. واتهم القوى الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بالدعم المتواطئ من خلال المساعدات العسكرية ومبيعات الأسلحة التي تمكن إسرائيل من العدوان المستمر.
ودعا إلى وقف فوري لهذا الدعم، مؤكدًا على أن الدعم غير المشروط من الغرب يؤدي إلى تفاقم الأزمة، كما حث على تشكيل جبهة عالمية موحدة للمطالبة بمساءلة الجناة وتحقيق العدالة للضحايا.
في كلمتها، ركزت كلوديا ويبي على جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل، والتي أبرزها طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال لقادة إسرائيليين. وأكدت أن جرائم إسرائيل في غزة ولبنان ضد المدنيين مثل التجويع والاضطهاد وأعمال العنف هي جرائم متعمدة هدفها إبادة المدنيين.
وانتقدت ويبي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لحمايتهما لإسرائيل، واتهمتهما بتمكين جرائم الحرب من خلال مبيعات الأسلحة والدعم السياسي غير المشروط، وأشارت إلى أن الولايات المتحدة ضغطت حتى على المحكمة الجنائية الدولية لإسقاط قضيتها ضد إسرائيل، مما يعكس استهزاء واضح بالقانون الدولي.
وأدانت ويبي موقف الحكومة البريطانية، مشيرة إلى النفاق في معاملتها لإسرائيل مقارنة بالدول الأخرى، كما أكدت أن الرأي العام في بريطانيا مختلف عن موقف الحكومة، مؤكدة أنه يدعم إلى حد كبير إنهاء مبيعات الأسلحة لإسرائيل ويحمل القادة الإسرائيليين المسؤولية عن جرائم الحرب التي ارتكبوها في غزة ولبنان. وبحسب ويبي، فإن تواطؤ القوى الغربية في تصرفات إسرائيل يطيل معاناة المدنيين، حيث تغض الطرف عن الإبادة الجماعية وتقمع الاحتجاجات السلمية ضد هذه الفظائع.
وفي ختام كلمتها، سلطت ويبي الضوء على دور المجتمع المدني في المملكة المتحدة والعالم، مؤكدة على أهمية استمرار الاحتجاج وحملات التضامن بكافة أشكالها، كما دعت إلى إنهاء مبيعات الأسلحة لإسرائيل وأكدت على الحاجة إلى حركة مجتمع مدني متماسكة للضغط على الحكومات للتحرك ضد جرائم إسرائيل. ودعت كذلك إلى التضامن الدولي وحثت الحكومات على وقف دعمها لأنشطة إسرائيل غير القانونية واللاإنسانية.
ومن خلال خبرته السابقة في الأونروا، تحدث كريس غونيس بالتفصيل عن التحديات الإنسانية التي يواجهها الفلسطينيون، لافتًا إلى آثار ذلك على تفتت المجتمع الفلسطيني عبر مناطق مثل غزة ولبنان وسوريا، واصفًا الأزمة الحالية بأنها مأساة مترابطة. وسلط غونيس الضوء على التأثير المدمر على البنية التحتية في غزة، مع خروج جزء كبير من مراكز اللجوء والمستشفيات عن الخدمة، وحذر من أزمة إنسانية لم يسبق لها مثيل مع نقص حاد في المأوى والرعاية الصحية والغذاء، لافتًا أن المواطنين على شفا مجاعة جماعية واسعة النطاق.
وفي سياق لبنان، قال غونيس إن الإجراءات العسكرية الإسرائيلية في لبنان نتيجة لإفلاتها من العقاب في غزة، مشيرًا أن إسرائيل بدأت بالفعل في تكرار تكتيكاتها في التهجير القسري واستهداف المدنيين عبر الحدود. وأشار إلى التفجيرات الأخيرة في بيروت وتبرير إسرائيل لمثل هذه الهجمات، محذرًا من تصعيد محتمل إلى مناطق أخرى إذا لم يتم وضع حد لها.
وأكد في معرض حديثه أن ممارسات إسرائيل تقوض العدالة الدولية، مسلطًا الضوء على أن محكمة العدل الدولية أعلنت أن احتلال إسرائيل غير قانوني وأكدت أنه لا ينبغي لأي دولة عضو في الأمم المتحدة أن تدعم هذا عدم الشرعية، ومع ذلك لم يتم اتخاذ إجراء عملي لإنهاء هذا الاحتلال.
كما انتقد رد فعل المجتمع الدولي، معربًا عن تشككه في فعالية القانون الدولي دون إنفاذ حقيقي. وشجع المجتمع المدني على دفع الحكومات إلى تبني حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات كما أقرتها محكمة العدل الدولية.
وفي نهاية كلمته، دعا غونيس إلى وضع حد لإفلات إسرائيل من العقاب وحث على الدعوة بقوة لضمان العدالة للفلسطينيين ودعم القانون الدولي.
في كلمته، أدان السفير مسعود معلوف بشدة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، لافتًا إلى الدمار الواسع النطاق في غزة، مع تدمير البنية التحتية الحيوية وفقدان آلاف الأرواح المدنية، مضيفًا أن هذه الممارسات امتدت الآن إلى لبنان، حيث تُرتكب فظائع مماثلة تحت ستار الدفاع عن النفس، مشيرًا إلى القصف المستهدف وتشريد مئات الآلاف من المدنيين اللبنانيين كدليل على التوسع العدواني لإسرائيل.
وانتقد معلوف المعايير المزدوجة للمجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة، التي زعم أنها دعمت باستمرار تصرفات إسرائيل على الرغم من تأثيرها المدمر على المجتمعات المدنية. وسلط معلوف الضوء على فشل الأمم المتحدة في فرض القرارات أو تفعيلها بسبب حق النقض الأميركي، متهمًا الدول الغربية بالاكتفاء بالإدانة الشفوية دون اتخاذ إجراءات ملموسة ضد إسرائيل. وبحسب معلوف، فإن الجنوب العالمي يدعم القضية الفلسطينية، لكنه يفتقر إلى النفوذ للضغط على إسرائيل، على النقيض من الدول الغربية التي لديها القوة، ولكنها تختار عدم التصرف.
وفي ختام كلمته، دعا معلوف إلى استجابة أقوى من المجتمع الدولي لمحاسبة إسرائيل، مؤكدًا أن الولايات المتحدة وحدها لديها القدرة على وقف عدوان إسرائيل، لذلك حث القادة الأميركيين على إعادة النظر في دعمهم اللامتناهي لإسرائيل التي ترتكب أفظع الجرائم ضد الشعوب في منطقة الشرق الأوسط. واختتم بالدعوة إلى إنهاء الإبادة الجماعية وأكد أن الجهود العالمية ضرورية لتحقيق العدالة والسلام في المنطقة.
الكاتب والناشط الأمريكي الإسرائيلي جيف هالبر قدم منظورًا نقديًا في كلمته لدور القانون الدولي والطبيعة التي يتعامل بها مع السياسة العالمية، مؤكدًا أن تصرفات إسرائيل ليست مجرد نتيجة لدعم الولايات المتحدة، بل تعكس تواطؤًا أوسع بين القوى العالمية، بما في ذلك دول البريكس. ووفقًا لهالبر، فإن المشروع الاستيطاني الاستعماري المستمر لإسرائيل مدعوم بالقبول الدولي، مشيرًا إلى العلاقات التطبيعية مع دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة كأمثلة على هذا التواطؤ.
وتساءل هالبر عن مدى أهمية النظام الدولي القائم على القواعد، مؤكدًا أن السياسة العالمية تعمل على أساس معاملاتي خالٍ من التحالفات الحقيقية أو الالتزام بحقوق الإنسان. وأكد أن إسرائيل ازدهرت بسبب هذا النظام، مستفيدة من الإفلات من العقاب الذي يتجاوز مجرد الدعم الأمريكي، لافتًا أن إنشاء إسرائيل كان، جزئيًا، بموافقة الأمم المتحدة، ومنذ ذلك الحين تلاعبت بالمؤسسات الدولية لصالحها.
وفي ختام كلمته، ركز هالبر على دور المجتمع المدني في مواجهة هذه الديناميكيات، ودعا إلى تنظيم حملات تهدف إلى تعطيل خطوط الإمداد الإسرائيلية كشكل من أشكال المقاومة العملية، مشددًا على أهمية النشاط الاستراتيجي في عصر تبدو فيه الأطر التقليدية مثل القانون الدولي غير فعالة، كما حث المجتمع المدني على استكشاف سبل جديدة لوقف سياسة الإفلات من العقاب التي تتمتع بها إسرائيل.
البروفيسور مايكل لينك تناول في كلمته آليات وقيود القانون الدولي في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مؤكدًا أنه في حين يقدم القانون الدولي إطارًا للعدالة، فإنه يتطلب عزمًا دوليًا ليكون فعالاً. وأكد أن حكم محكمة العدل الدولية الأخير، الذي أعلن أن احتلال إسرائيل غير قانوني، يمثل تحولًا نموذجيًا وإيجابيًا نحو نهج قائم على الحقوق ويوفر أساسًا قانونيًا للمطالبة بإنهاء احتلال إسرائيل وأنشطتها الاستيطانية.
كما سلط لينك الضوء على الالتزامات التي حددتها محكمة العدل الدولية لإسرائيل بالانسحاب إلى حدود ما قبل عام 1967 وتعويض الفلسطينيين عن كل الأضرار التي لحقت بهم نتيجة هذا الاحتلال، معربًا عن أمله في أن يمثل هذا الحكم، المدعوم بتصويت ساحق في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بداية فصل جديد في تحقيق العدالة. ومع ذلك، أقر بأن الامتثال لهذا القرار سيتطلب أكثر من مجرد أحكام قانونية – بل سيتطلب عملاً جماعياً وضغطاً مستمراً من المجتمع الدولي.
واختتم لينك كلمته بدعوة إلى العمل، مستشهداً بأقوال مارتن لوثر كينغ جونيور وجيسي جاكسون حول قوس العدالة، كما المجتمع المدني والحكومات على حد سواء على الاستفادة من قرار محكمة العدل الدولية كأساس للجهود السياسية والدبلوماسية، مؤكداً أن القانون وحده لا يكفي دون وجود إرادة سياسية حقيقية لفرضه.
الصحفي إيدان وايت ناقش في كلمته التحديات التي يواجهها الصحفيون في مناطق الصراع، وخاصة في غزة، موضحًا أن إسرائيل استهدفت بصورة متعمدة العاملين في وسائل الإعلام دون عقاب أو ردع. وسلط الضوء على فشل القانون الدولي في حماية الصحفيين معربًا عن إحباطه إزاء عدم المساءلة عن مقتلهم. ووفقاً لوايت، فإن القيود التي تفرضها إسرائيل على وسائل الإعلام والحملات التضليلية التي تمولها تقوض حق الجمهور في الحصول على المعلومات الحقيقية، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة.
وأعرب وايت عن تشككه في فعالية القانون الدولي، متفقاً مع هالبر في أن السياسة العالمية معاملاتية في المقام الأول، مؤكدًا أن القانون الدولي في حين يوفر أطراً مهمة، فإن تطبيقه غالباً ما يكون انتقائياً، وكثيراً ما تهمل البلدان -التي تصف نفسها بأنها ديمقراطية- مسؤولياتها تجاه هذا الدور. ودعا الصحفيين إلى الاستفادة من الشبكات الدولية للدفاع عن المساءلة، مشددًا على دور المجتمع المدني في مقاومة تطبيع مثل هذا الإفلات من العقاب.
وفي الختام، حث وايت الصحفيين وغيرهم من العاملين في المجال الإعلامي على تسخير قوة الشبكات الدولية لإحداث تغيير حقيقي على أرض الواقع، مؤكدًا أنه في حين قد تبدو الأفعال الفردية محدودة، فإن الجهود الجماعية عبر الحدود يمكن أن تضغط على الحكومات للتحرك، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى استعادة بعض الثقة في إمكانية فرض المعايير الدولية.